وقال: هذه نوبة أبي العباس. وتوقَّف الحال، ثم اتَّفق رأيُ السيدة وبدر بن حسنويه على القبض على أبي علي؛ ليقرِّروا أمر جُرجان، فلمَّا جاء قبضوا عليه، وقُيِّد في دار أبي عيسى شادي بن محمد، وكان من الخواصِّ، وبلغ الدَّيلَم، فثاروا وقصدوا دار أبي عيسى، فهدم حائطًا منها، فخرج إلى الصحراء ومعه ابن حمولة، وسار به إلى الدِّينَور، فاعتقله في قلعةٍ، ثم أرسل إليه مَنْ عَصَر خَصيتَيه حتى مات، وكان في الصلاة قد سجد.
وكبس الديلم دار أبي العباس وقبضوا عليه، وقيَّدوه وحملوه إلى القلعة، فراسلهم وطيَّب قلوبهم، ثم صالحوه بعد ذلك وردُّوه إلى الوزارة، وقالوا: الوزير الذي فعَلْنا لأجله ما فعَلْنا قد مضى لسبيلِه، وما يجوز أن يُفعَلَ في حقِّ أبي العباس ما فعلنا مع تقدمته ورئاسته، وما يقوم أحدٌ مقامَه. فأطلقوه، وشاوروا السيدة عليه، فأجابتهم، وركب، وقبَّلَ الناسُ الأرضَ بين يديه، وفرحوا بِعَودِه إلى الوزارة.
محمد بن أحمد (١)
ابن إسماعيل بن عَنْبَس، أبو الحسين، البغدادي، الواعظ، ويعرف بابن سمعون، ويسمى: الناطق بالحكمة، وُلدَ سنة ثلاث مئة، وذكره العلماء في تواريخهم، وأثنَوا عليه.
قال أبو عبد الرحمن السُّلمي: هو من مشايخ بغداد، له لسان عالٍ في العلوم، لا ينتمي إلى أستاذ، وهو لسانُ الوقت، والمرجوعُ إليه في آداب المعاملات، وهو إمامُ المتكلِّمين والمُعبِّرين عن الأحوال بألطف بيان، مع ما يَرجع إليه من صحَّةِ الاعتقاد وصحبةِ الفقراء.
وقال الخطيب: كان أوحدَ دهره، فريدَ عصره في الكلام على الخواطر والإشارات ولسان المواعظ، وكان له فِراسات وكرامات، دوَّنَ الناسُ كلامَه، وكان القاضي أبو بكر الباقلاني وأبو حامد إذا رأياه قبَّلا يده، وكان أبو بكر يقول: ربما خفي عليَّ
(١) تاريخ بغداد ١/ ٢٧٤ - ٢٧٧، وتاريخ دمشق ٥١/ ٩، وتبيين كذب المفتري ص ٢٠٠ - ٢٠٦، والمنتظم ١٥/ ٣ - ٦، وصفة الصفوة ٢/ ٤٧١ - ٤٧٧، وطبقات الحنابلة ٢/ ١٥٥ - ١٦٢. وينظر السير ١٦/ ٥٠٥.