رُتِّبَ ولدُه أبو طالب رستُم في الأمر بعده وله أربع سنين، وبايعه الناس، وأُطلقتِ الأموال، فيقال: إنَّ الأمر أعجلَهم في إطلاق المال عن انتظار ما يَحُطُّ من القلعة على رؤوس الرجال، فنصبوا البَكَر والحبال، وحُطَّ المالُ، والوزير يومئذٍ أبو العباس الضبِّي ويُلقَّب بالكافي الأوحد، وأبو علي بن حمولة ويلقَّب بأوحد الكفاة، وبينهما عداوةٌ شديدة، وكان أبو العباس يترفَّع عليه؛ لأنه كان قبل اشتراكهما في الوزارة عاملًا له، فلمَّا مات فخر الدولة انبسط أبو علي في إطلاق المال واستمالة الرجال، وامتنع أبو العباس من مثل ذلك، واستخلف خليفة في التوقيع عنه، فمال الجند إلى أبي علي وأحبُّوه، وحصلت له عندهم أياد، وفي رقابهم مِنَن، إلا أنَّ لأبي العباس المنزلَة القديمةَ والمرتبةَ السابقةَ الجليلةَ، والناس يرونه بتلك العين، وما فيهم إلَّا مَنْ قد خدمه على مرَّ السِّنين الطويلة، وجرى الخوض في إخراج العساكر لانتزاع جُرجان وطَبرستان من يد قابوس، وكُوتِبَ بدر بن حسنويه يُستشار في ذلك، فقال: إنَّ الأميرَ الذي ورث هذا المال والملك حديثُ السِّنِّ، ولا وجه لإضاعة المال فيما لا تُعلَم عواقبُه، والصواب أن يُترك هذا الأمرُ على حاله إلى حين بلوغه، فإن خرج نجيبًا على ما عُهِدَه من خلائق آبائه قَدَرَ على ارتجاع ما أُخِذَ منه، وإن ضَعُفَ لم تكونوا قد جمعتُم عليه ذهاب مالِه وأعمالِه. فخالفوه، وجرَّدوا العساكر، وقال أصحاب أبي علي بن حمولة: الرأيُ أن تخرج إلى هذا الوجه وتستصحب الخزائن والأموال، فإنك إذا ملكت جُرجانَ كنتَ أميرًا مستقلًا لا وزيرًا مشاركًا، وكانت الحاجةُ إليك داعية، والآمالُ بكَ متعلقةً، وبَعُدتَ عن الحضرة التي أنتَ مُجاذِبٌ الأمرَ عنها. فعَمِلَ على ذلك، وخرج بالعساكر والأموال، والتقاه قابوس، فقال أبو علي لأصحابه: لا تحملوا حتى آمركم. وأخذ بيده أسطرلابًا، ووقف على فرسه ينظر فيه، يرصُد الوقتَ الذي يصلح، فلمَّا حصل الوقتُ الذي اختاره قال لأصحابه: احْمِلوا. فَحَملوا، وحمل عليهم قابوس فهزمهم، فقال أبو علي لأصحابه: لا تحملوا سوادًا، ولكن احملوا المال من الخزائن، فمن حمل شيئًا كان له نصفُه. فحملوا ما قَدَروا عليه، وغَنِمَ قابوسُ وأصحابُه الغنيمةَ العظيمةَ، وعاد أبو علي إلى الريِّ مفلولًا، وشرع في تجريد العساكر مرةً ثانية،