وحكى الطبري عن أبي المَليح قال: لما قُتل [حكيم بن] جَبلة أرادوا أن يَقتلوا عثمان بن حُنَيف فقال لهم: أما إن أخي سَهل بن حُنَيف والٍ على المدينة، فإن قتلتموني انتصر، فخَلَّوا سبيلَه (١).
وقال ابن عبد البرّ: لما قدمت عائشة البصرة أرسلت إلى الأحنف بن قيس فلم يأتها، فأرسلت إليه ثانيًا تقول: عَقَقْتَ أمَّك؟! فأتاها فقالت له: وَيحك يا أحنف، بم تعتذر غدًا إلى الله من تركك جهاد قتلَةِ عثمان؟ فقال لها: ما كبرت السنّ، ولا طال العهد، ولعَهدي بك عام أوّل تنالين من عثمان، وتأمرين بقتله، وهذا قولك اليوم، لا آخذ بأمرك وأنت راضية وأَدَعهُ وأنت ساخطة، ثم اعتزل الفريقين، ولم يقاتل مع أحد منهم.
وقال الهيثم بن عدي: قدم الأحنف بن قيس المدينة وعثمان محصور في داره، وكان الأحنف يُريد الحج، قال: فأتيتُ طلحة والزبير فقلتُ: ما أرى هذا الرجلَ إلا مقتولًا، فما تأمراني؟ فقالا: عليك بعلي، فقلت: أترضَياه؟ قالا: نعم، فأتيتُ مكة، فأقمت الحج، وبلغني قتلُ عثمان، فأتيتُ عائشة وهي بمكة، فقلت: مَن تأمريني أن أُبايع؟ قالت: عليًّا، قلت: أتَرضينَه؟ قالت: نعم، فعدتُ إلى المدينة، فبايعتُ عليًّا، ثم عُدتُ إلى البصرة إلى أهلي، فما شعرتُ إلا بعائشة وطلحة والزبير قد قدموا، قال: فأتيتُهم فقلت: ما الذي أقدمكم؟ قالوا: نَستنصر بكم على دم عثمان فإنه قُتل مَظلومًا، فقلت: ألستُم بايعتم وقلتم: بايعه فإنا نرضى به؟ قالا: بلى، ولكنه بدَّل، فقلت: ومتى كان هذا؟ والله لا أقاتل ابنَ عمّ النبي ﷺ، ولا أقاتلكم ومعكم أمّ المؤمنين، واعتزل بالجَلْحاء على فرسخين من البصرة ومعه زهاءُ ستةِ آلاف.
[ذكر مسير أمير المؤمنين علي إلى البصرة]
روى سيف عن أشياخه قالوا: لما أتى عليًّا ﵇ خبرُ طلحة والزبير وعائشة وهو بالمدينة، وأنهم قد ساروا نحو العراق، خرج غُرَّةَ ربيع الأول مبادرًا، وهو يرجو أن يُدركهم فيَرُدَّهم، فلما نزل الرَّبَذَة أتاه الخبرُ أنهم قد أمْعنوا نحو البصرة، فسُرِّي عنه، وقال: إن أهل الكوفة أشدّ لي حبًّا، وفيهم فرسانُ العرب وأعلامُهم، فكتب