للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السَّنة الثامنة والسَّبعون بعد المئتين

فيها لليلتين بقيتا من المحرَّم طلع كوكب ذو جمَّة، ثمَّ صارت الجمَّة ذُؤابة.

ووردت الأخبار أنَّ نيل مصر غار فلم يبق منه شيء، ولم يُعْهَد ذلك قطُّ، ولا سُمع به في الأخبار السالفة، فغلت الأسعار عندهم.

وفي المحرَّم انصرف أبو أحمد الموفَّق من الجبل إلى بغداد مريضًا، وكان به نِقْرِس، فلم يقدر على ركوب الخيل، فاتُّخذ له سريرٌ عليه قُبَّة، فكان يَقعد عليه والخدم يبرِّدون رجليه بالثلج، فأنزلوه في دَيالى في زَلَّالٍ (١) حتَّى أخرجوه إلى دجلة، ثمَّ زاد مرضه فصار داءَ الفيل، فكان يَحمل سريرَه قبل نزوله في الماء أربعون رجلًا، يتناوب عليه عشرون عشرون، وربما اشتدَّ به الوجع أحيانًا فيأمرهم أن يضعوه، وقال يومًا للذين يحملونه: لعلَّكم قد ضَجِرتُم منِّي، وَدِدْتُ والله أنِّي كواحدٍ منكم أَحملُ على رأسي وآكل وأنِّي في عافية.

وقال في مرضه هذا: قد أطبق دستوري [أو دفتري] على مئة ألف مُرتَزِق، وما أصبح فيهم أسوأ حالًا منِّي.

وفي يوم الاثنين لثلاث بَقينَ من المحرَّم وافى النَّهْروان، فأخرجوه إلى دجلة إلى الزَّعفرانية، وصار في داره يوم الجمعة لليلتين خلتا من صفر، فأقام بها، وانتفخ قدمه وعَظُم، فتوفِّي في صفر، وسنذكره إن شاء الله تعالى [في ترجمته، والله أعلم] (٢).

وفيها ظهرت القرامطة بسواد الكوفة، وقد اختلفوا فيهم على أقوال: أحدها: أنَّه قدم رجل من ناحية خُوزِستان إلى سواد الكوفة إلى موضع يقال له: النَّهرين، فأقام بها وأظهر الزُّهد والتَّقشُّف، وكان يَسُفُّ الخُوصَ ويأكل من كَسْبه، ويصلّي اللَّيل والنَّهار،


(١) الزلَّال: ضربٌ من السفن الصغيرة والسريعة كانت معروفة بنهاية العصر العباسي. معجم المصطلحات والألقاب التاريخية: ٢٢٣، والديارات للشابشتي: ٢٤، وتكملة المعاجم لدوزي ٥/ ٣٤٤.
(٢) ما بين معكوفين من (ب) وجاء بعدها فيها: وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا. وانظر الطبري ١٠/ ١٩ - ٢٠، و"المنتظم" ١٢/ ٢٨٧، و"الكامل" ٧/ ٤٤١، و"تاريخ الإسلام"٦/ ٤٧٠ - ٤٧١.