فيها في المحرَّم قبض المعتضد على محمد بن الحسن بن سَهل، ويُعرف بشَيلَمة، وكان أحدَ قوَّاد الزَّنجي إلى آخر أيامه، ثمَّ استأمن إلى الموفَّق، فبلغ المعتضد أنَّه يدعو إلى أحد أولاد المُهْتدي، فقُرِّر فلم يُقِرَّ، فهدَّده وقال: أخبرني عن الرَّجُل الذي تدعو إليه، فقال: والله لو كان تحت قدمي ما رفعتُهما عنه، فقتله.
وفي صفر خرج المعتضد من بغداد بجيوشه يريد بني شيبان، وكانوا قد عاثوا وأفسدوا، فلَحِقهم بمكان يقال له: السِّنّ، فأوقع بهم، فقتل منهم مقتلةً عظيمة، وغَرق منهم في الزَّابَيْن خلقٌ عظيم، وأخذ النساء والذَّراري، وغنم العسكرُ من أموالهم ما عَجزوا عن حمله، حتَّى بيعت الشَّاة بدرهم، والجمل بخمسة دراهم، وأمر بحفظ النِّساء والذَّراري عن التعرُّض لهم.
ثمَّ مضى المعتضد إلى الموصل، ثمَّ رجع إلى بغداد، فلقيه بنو شيبان، وتذلَّلوا، وسألوه الصَّفح عنهم، فأخذ منهم خمس مئة رجل رهائن، وردَّ عليهم نساءهم وذَراريهم، وكان مع المعتضد حادٍ يَحدو بصوتٍ شَجيٍّ، وكان يَدلُّ به، فأشرف على جبل تَوْباذ فأنشد:[من الطويل]
وأجْهَشْتُ للتَّوباذ حين رأيتُه … وهلَّل للرَّحمن حين رآني
وقلتُ له أين الَّذين عَهِدتُهم … بظلِّك في خَفْضٍ وأمن زمانِ
فقال مَضَوْا واستخلفوني مكانَهم … ومَن ذا الذي يَبقى على الحَدَثانِ
فبكى المعتضد بكاء شديدًا، وجعل يقول: ما سَلِم من الحَدَثان أحد (١).
وفيها فتح محمد بن أبي السَّاج مَراغَةَ بعد حصار طويل، وأخذ منها مالًا كثيرًا.
وفيها مات جعفر المفوَّض في ربيع الآخر، وكان محبوسًا في دار المعتضد لا يراه أحد، وقيل: إنَّ المعتضد نادمه.
(١) تاريخ الطبري ١٠/ ٣٢ - ٣٣، والمنتظم ١٢/ ٣٣٢ - ٣٣٣، والكامل ٧/ ٤٦٢، وتاريخ الإسلام ٦/ ٤٧٤ - ٤٧٥، وهذه الأبيات في ديوان مجنون ليلى ص ٢٧٥.