للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رابعة، وشرف النساء، وزينب، وجوهرة، وست العلماء الكبرى، وست العلماء الصغرى، وكلُّهنَّ سمعنَ الحديثَ من جدي وغيره" (١).

في كنفِ هذه الأسرة العلمية كانت نشأةُ أبي المظفَّر، ويبدو أنَّ جدَّه تلفَحَ فيه مَخايلَ الذكاء والنبوغ منذ صغره، فأولاه رعايةً واهتمامًا كبيرين، وأحضره دروسَه ومجالسَه، فنهلَ أبو المظفَّر من مَعينِ جَدِّه الَّثرّ، واستقى من مَنهلِه العذب، وأفادَ إفادةً كبيرةً من علومه المختلفة، حيث أخذ عنه الفقه، وسمع منه الحديث، وقرأ عليه القرآن، وسَهَّلَ له جَدُّه سُبُلَ أخذ العلم عن عددٍ من شيوخ بغداد المشهورين في ذلك الوقت.

رحلته إلى دمشق: بعد وفاة جَدِّه عزمَ أبو المظفَّر على النُّقْلَةِ إلى دمشق، فخرج في بداية سنة (٦٠٠ هـ) تاركًا بغداد وراءه، مُيَمِّمًا وَجهه شطرَ دمشق، فمرَّ خلال رحلته بدَقوقا، وإربل، والموصل، وحرَّان، وأخذ عن عددٍ من شيوخ تلك البلدان، وحطَّ رحاله في دمشق، ونزل بسفح قاسيون بين المقادِسَة من بني قُدامة، فوجد بصحبتهم الأُنسَ والحبور، وبموطن إقامته الجديد الراحةَ والسرور، وأشبع نَهَمَه العلميَّ بالأخذ عن شيوخ دمشق -ممن سنَسرُد أسماءهم عند ذكر شيوخه- …

وخلال فترةٍ وجيزةٍ لمعَ نَجمُه وذاعَ صيتُه، وصار يُلقب بواعظ الشام، وجذبَ إليه بحلاوة وَعظِه وطلاوةِ لفظِه قلوبَ الملوكِ والأمراءِ والولاةِ قبل قلوب العامة، وأصبح على اتصالٍ بالملك الكامل محمد ابن العادل أبي بكر بن أيوب، وإخوتهِ الملكِ المعظَّم عيسى، والملكِ الأشرف موسى، والملكِ الصالح إسماعيل، وبالملك الناصر داود بن المعظَّم، وبعددِ من الولاة والأمراء، وكوالي الشام المعتمد إبراهيم بن موسى، والأميرِ مبارز الدين سنقر الحلبي الصلاحي وغيرِهم، وكانوا يزورونه في بيته لاستماع مواعظه وكلامه على ما كان يُسمعهم من الإنكار عليهم في بعض الأمور، قال اليونيني: "وكان له الحُرمةُ الوافرةُ، والوجاهةُ العظيمةُ عند الملوكِ وغيرهم من الأمراء والأكابر، ولا ينقطعون عن التردُّدِ إليه، وهو يعاملهم بالفراغِ منهم ومما في أيديهم،


(١) مرآة الزمان ٢٢/ ١١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>