للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذين البيتين.

وسمع ليلة وهو في المدينة منشدًا ينشد ويقول: [من البسيط]

أفدي الذين أذاقوني مودَّتَهم … حتى إذا أيقظوني في الهوى رَقَدوا

واستنهضوني فلمَّا قمتُ نحوَهمُ … بثقل ما حمَّلوني في الهوى قَعَدوا

لأخرجنَّ من الدنيا وحبّهمُ … بين الجوانح لم يشعر به أحدُ

حسبي بأن تعلموا أنِّي محبُّكم … قلبي وأن تجدوا بعضَ الذي أجدُ

ألقيتُ بيني وبين الحبِّ معرفةً … وليس تنفدُ حتى ينفدَ الأبدُ

وليس لي مُسْعِدٌ في الحبِّ يُسْعِدُني … وقد بليتُ وقد أضناني الكَمَدُ

وكانت ليلةً شديدة البرد، فخرج عبدُ الله من داره وصاح به: يا هذا، قد وجدتَ المُسْعِد، أين تبغي؟ قال: وادي العرج. وهو على أميالِ من المدينة، فشيَّعه إلى هناك، ورجع وقد كاد يتلَفُ، فقيل له: خاطرتَ بنفسك والبردُ شديد! فقال: ساعدتُ محبًّا، وأحييتُ مسلمًا، وأنلت مكرمةً، وأبقيتُ لي ذِكْرًا جميلًا (١).

وكانت وفاتُه بالمدينة.

عطاء بنُ أبي مسلم مَيسرة

أبو عثمان الخُراسانيُّ البَلْخي، مولى المهلَّب بن أبي صُفْرة، من الطبقة الثالثة من أهل الشام، كان عالمًا، زاهدًا، فصيحًا من أهل خراسان.

قال: صيامُ النهار، وقيامُ الليل، أيسرُ من شرب الصديد، ومقطَّعات النيران والحديد، الوَحَاء الوَحاءَ (٢)، النَّجاء النَّجاءَ.

جدّوا في دار الفناء لدار البقاء، واجعلوا الدنيا كشيء فارقتموه، فوالله لتفارقُنَّها كرهًا، واجعلوا الموتَ كشيء ذُقتموه، فوالله لتذوقنَّه كرهًا، واعلموا أن سفر الدنيا منقطعٌ، وأكيَسُ الناس من تجهَّز لسفر لا ينقطع.


(١) تاريخ بغداد ٣/ ١٣٤ - ١٣٥، والمنتظم ٧/ ٣٢٩ - ٣٣٠. والأبيات للعباس بن الأحنف، وتنسب كذلك إلى بشار بن برد.
(٢) أي: البِدارَ البِدارَ، والإسراع. اللسان: (وحي).