فيها مدَّت الفراتُ ودجلة، وغرق السوادُ ومعظمُ بغداد، وفسدت الزروع، وظهر اليَرَقانُ (١) على الناس، وجاء الجراد.
وفيها ولَّى المأمونُ عبدَ الله بنَ طاهر الجزيرةَ والشام ومصر، وقتال نصرِ بن شبث، وكان قد ولَّى يحيى بنَ معاذ الجزيرة، فمات في هذه السَّنةِ، واستخلف ابنَه أحمد على الجزيرة، فقال المأمونُ لعبد الله بنِ طاهر: إني منذ شهرٍ أستخير اللهَ وأرجو أن يخيرَ اللهُ لي، ورأيت الرجلَ يصف ولدَه ليُطريَه؛ لرأيه فيه، وليرفعَه، ولقد رأيتك فوق ما يصف أبوك لي فيك، وقد مات يحيى واستخلف ابنَه أحمد، وليس بشيء، وقد رأيت توليتَك الجزيرةَ والشام ومحاربةَ نصحر بنِ شبث، فقال: السمعُ والطاعة لله ولأمير المؤمنين، وأرجو أن يجعلَ اللهُ لأمير المؤمنين الخِيرةَ وللمسلمين.
فعقد له لواءً وكتب عليه: يا منصور، وكان في طريقه حِبالُ القصَّارين، فأمر المأمونُ بأن تُقطعَ لأجل اللواء، وذلك في رمضانَ هذه السَّنة، وقيل: سنةَ سبعٍ ومئتين، وكان طاهرٌ لما ولي ابنه عبدُ الله ديارَ ربيعةَ كتب إليه كتابًا طويلًا يتضمَّن الوصية، فمنه - بعد الحمد لله والصلاة على رسوله ﷺ:
أما بعد، فإني أُوصيك بتقوى اللهِ وطاعتِه وخشيته ومراقبته، والذِّكرِ لمعادك وما أنت صائرٌ إليه ومسؤولٌ عنه؛ فإنَّ اللهَ قد أحسن إليك، فأَوجب عليك الرأفةَ والرحمةَ لمن استرعاك من عباده، وألزمك العدلَ فيهم، والقيامَ بحقِّهم، والذَّبَّ عنهم، والكفَّ عن حريمهم، وحقنَ دمائهم، وأمنَ سبيلهم، ولْيكن أولَ ما تُلزم به نفسَك المواظبةُ على ما افترض اللهُ عليك من الصلواتِ الخمس في مواقيتها، والأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر، والأخذُ بما أنزل اللهُ في كتابه من أمره ونهيه وحلالِه وحرامه، واتِّباعُ سنَّة رسوله، واقتفاءُ آثاره وآثارِ أصحابه من بعده، وعليك بإجلال أهلِ القرآن وحَمَلةِ العلم، وعليك بالعلم والفقه؛ فإنَّهما أحسنُ ما تزيَّن بهما المرء، وعليك بالأعمال