وانقطعت عنِّي النَّفقةُ من بلدي، وركبني دينٌ، فاحتجتُ إلى بَيعها فبعتُها، وقد ندمتُ، وشَغلَتْ خاطري، قال: ومَن اشتراها؟ قال: ابن أبي حامد صاحب بيت المال.
فقام المَرْوَرُّوذي، فدخل عليه، فأعظم ذلك وأكرمه وقال: ما الذي عنَّاك؟ فقصَّ عليه القصَّةَ، فقال: ما علمتُ بشيءٍ.
ثُمَّ قام فدخل على امرأته، فسألها عن الجارية، فأخرجتها وقد ألبسَتْها الثيابَ الفاخرةَ والحُلي وقالت: اشتريتُها لك، فسُرَّ حيث كانت الجارية في داره لأجل قضاء حاجة أبي حامد.
ثم أخرج الجارية وقال للشاب: أهي هذه؟ قال: نعم، قال: خذ جاريتَك -وكان قد باعها بثلاثة آلاف درهم- فقال له أبو حامد: لا بُدَّ من قَبْض المال، وإنَّما جئتُ شافعًا في ردِّها لا غير، فقال: هذا رجلٌ غريبٌ وفقيهٌ، وما لاعها إلا من حاجةٍ، ومتى أُخِذ هذا المالُ منه خِيف أن يبيعَها ثانيًا ممَّن لا يردُّها عليه، والثمنُ يكون في ذمَّته، فإذا جاءه من بلده نفقةٌ جاز أن يرُدَّ ذلك، وقد وهبتُ له المال.
فقال أبو حامد: فإن رأيتَ أن تَبعثَ مَن يأخذ هذه الثيابَ والحُلي، فقال: سبحان الله، ما أسعفْنا به هذه الجاريةَ ووهبناهُ لها كيف نأخذُه منها؟ فلما أرادوا الخروج قال لها ابن أبي حامد: يا جارية، أيُّما أحبُّ إليك نحن أو مولاك؟ فقالت: أمَّا أنتم فأحسن الله عونَكم، فقد أحسنتم إليَّ وأغنيتموني، وأمَّا مولاي هذا، فلو مَلكتُ منه ما ملك منِّي ما بعتُه بالدنيا وما فيها، فاستحسن الحاضرون منها ذلك العقل مع ما هي عليه من الصِّبا.
سمع خلقًا كثيرًا منهم: عباس الدُّوري وغيره، وروى عنه الدارقطني وغيره، وكان صدوقًا ثِقة ثَبْتًا، توفي في رمضان.
[وفيها توفي]
تِكِين الخاصَّة
أبو منصور، الخَزَري (١)، مولى المُعْتَضِد.
(١) في (ف م ١): الجزيري، وهو خطأ، والمثبت من (خ)، وانظر ترجمته في: ولاة مصر للكندي ٢٨٦، ٢٩٣، ٢٩٨، وتاريخ دمشق ٣/ ٥١٨ (مخطوط)، والإكمال لابن ماكولا ١/ ٥١١، والسير ١٤/ ٢٢٣ و ١٥/ ٩٥، وتاريخ الإِسلام ٧/ ٤٤٢، والمقفّى للمقريزي ٢/ ٦٠١.