يثبت أن نبيًّا من الأنبياء دخل العجم، وخصوصًا أيوب، فإنه ما فارق الشام.
وقال الكلبي: كانت منازله البَثَنِيَّةُ من أرض الشام والجابِيَة وكورة دمشق، فكان الجميع له، ومقامه بقرية تعرف بدير أيوب، وقبره بها وإلى هلم جرًا. وكان غنيًّا كثير الضيافة على مذهب إبراهيم الخليل ﵇، وكان له ثلاثة عشر ولدًا، وله أصنافٌ من الأموال والإبل والبقر والغنم والخيل والبغال والحمير، وكان له خمس مئة فدان يتبعها خمس مئة عبد، لكل عبد امرأة ومال وولد، وكان برًّا رحيمًا تقيًّا يكفل الأرامل واليتامى ويحمل المنقطعين، وما كان يشبع حتَّى يشبع الجائع، ولا يكتسي حتَّى يكسوَ العاري، وكان قد امتنع من عدوِّ الله إبليس أن يصيبَ منه ما يصيبُ من أهل الغنى والثروة بالغِرَّةِ والغفلة، وكان معه ثلاثة قد آمنوا به وصدَّقوه: رجل من أهل اليمن يقال له: أليفز، ورجلان من أهل بلاده يقال لأحدهما: بلدد، والآخر: صافر (١).
[فصل في تلخيص قصته]
ذكر علماء السير كابن إسحاق ووهب والسدي وعطاء فيما رووه عن ابن عباس وغيره، دخل حديث بعضهم في حديث بعض، وحكاه الثعلبي عن وهب بن منبه قالوا: إن لجبريل من الله مقامًا ليس لأحد من الملائكة في القربة والفضيلة مثله، وإنَّ جبريل هو الَّذي يتلقى الكلام من الله تعالى، فإذا ذكر الله عبدًا بخير تلقَّاه جبريل، ثم يتلقاه ميكائيل ثم الملائكة المقربون، فيشيع ذلك في الملائكة الحافِّين من حول العرش، ثم ينزل إلى سماء سماءٍ، ثم تهبط به الملائكة إلى الأرض، وكان إبليس لا يحجب عن شيء من السماوات يقفُ فيهنَّ حيث يشاء، ومن هناك وصل إلى الجنَّة حتَّى أغوى آدم، فلم يزل يصعدُ ويتردَّد إلى السماء حتَّى رُفِعَ عيسى ﵇ فَحُجِبَ من أربع سماوات، فكان يصعد في ثلاث حتَّى بُعِثَ نبينا ﷺ، فحجب عن الثلاث الباقيات، فهو وجنوده محجوبون عن السماوات إلى يوم القيامة ﴿إلا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ﴾ [الحجر: ١٨].
وكذا قال جدي ﵀ في كتاب "التبصرة": وكان إبليس لا يحجب عن
(١) هم في الكتاب المقدس سفر أيوب الإصحاح الثاني: أليفاز التيماني وبلدد الشوحي وصوفر النعماني.