للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السماوات، قال: وهذا هو خلاف قوله تعالى: ﴿قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا﴾ [البقرة: ٣٨] وكان إهباطَ سخطٍ، وآدم لم يعد إلى الجنّة، وكذا إبليس لا يعود إلى السماوات، ويحتمل أن الشياطين الذين يسترقون السمعَ أخبروه بثناء الملائكة على أيوب (١).

قالوا: ولما سمع إبليس أن الله ذكر أيوب وأثنى عليه أدركه البغي والحسد، فصعد سريعًا حتَّى وقف من السماء موقفًا كان يقفه وقال: يا ربّ سلِّطني على أيوب، فقال الله: قد سلطتك على ماله وولده ولم أُسَلِّطْكَ على جسده.

وقد روى هذا المعنى عبد الله بن أحمد بن حنبل في "كتاب الزهد" عن أبيه عن كثير بن هشام عن حماد بن سلمة بإسناده عن ابن عباس وذكره موقوفًا (٢).

وقد روى السُّدي ووهب أن إبليس قال. إلهي إني نظرتُ في أمر عبدك أيوب فوجدته عبدًا أنعمت عليه فشكرك، وعافيته فحمدك، ثم لم تجرّبْهُ بشدةٍ ولا بلاء، وأنا زعيم لئن ضربته بالبلاء ليكفرنَّ بك، فقال الله تعالى: اذهب فقد سلطتك على ماله. فجمع عفاربته وشياطينه وقال لهم: ما عندكم من القوة فإني قد سُلِّطت على مال أيوب، وهي المصيبة الفادحة والفتنة التي لا يصبر عليها الرجال، فأروني سلطانكم، فصار بعضهم نارًا وبعضهم ماء وحالوا ما بين المشرق والمغرب (٣).

فإن قيل: فكيف قال الله تعالى: اذهب فقد سلَّطتك عليه، وتسليط العدوِّ على الوليّ غير لائقٍ بالحكمة، وخصوصًا إذا لم يفعل فعلًا يستوجب به العقوبة؟ فالجواب من وجوه:

أحدها: أنَّه نزل به مريض فنظر إليه فاستقذره وأبعده عن فنائه، فابتلاه الله بمثل مرضه، قاله قتادة.

والثاني: لأنه وقف ببابه سائل فقير فرده خائبًا، فقال له الله تعالى: خوَّلتك وأعطيتك ووسعت عليك وترد السائل خائبًا؟! لأبتلينَّك، قاله ابن أبي نجيح.


(١) "التبصرة" ١/ ١٩١.
(٢) لم نقف عليه في المطبوع من كتاب "الزهد".
(٣) انظر "تاريخ دمشق" ١٥/ ٧٠، و"عرائس المجالس" ١٥٦.