للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم أقبل موسى على السامريِّ وقال: ﴿فَمَا خَطْبُكَ﴾؟ أي: ما شأنك وما الذي حملك على ما صنعت؟ فقال: ﴿بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ﴾ أي: رأيت ما لم يروه ﴿فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ﴾ يعني: من تراب حافرِ فرس جبريل ﴿فَنَبَذْتُهَا﴾ أي: طرحتها في الحُلي ﴿وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي﴾ [طه: ٩٦] أي: زينت. فقال: ﴿فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ﴾ ما دمت حيًا ﴿أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ﴾ أي: لا تخالط أحدًا.

وأمر موسى بني إسرائيل أن يعتزلوه ولا يخالطوه. قال قتادة: فبقاياهم إلى اليوم يقولون: ﴿لَا مِسَاسَ﴾ فلو مسَّهم أحد أخذته الحمى في الوقت.

فإن قيل: فهلّا قتله موسى؟ قلنا: ذكر مقاتل وقال: أوحى الله إليه لا تقتله فإنه سخيٌّ، وفي رواية: فإن قتلته كان ذلك كفَّارةً له ثم قال موسى: يا سامريُّ ﴿وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا﴾ أي: بعذابك ﴿لَنْ تُخْلَفَهُ﴾ أي: لن يخلفك الله إيَّاه ﴿وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ﴾ أي: معبودك بزعمك ﴿الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا﴾ أي: مقيمًا ﴿لَنُحَرِّقَنَّهُ﴾ بالنار ﴿ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا﴾ [طه: ٩٧] أي: نعفي آثاره. ثم برده موسى بالمبارد وألقاه في اليم. وقال مقاتل: ثم قال موسى: يا إلهي، من صاغ العجل؟ قال: السامري، قال: فمن جعل فيه الصوت حتى خار؟ قال الله: أنا. قال: فأنت فتنتَ قومي؟! قال: يا موسى، إني حكيم بيدي الضلال والهدى، ومصداقه قوله: ﴿فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ﴾.

[فصل في ذكر توبتهم من عبادة العجل]

قرأت على شيخنا الموفق المقدسي ، قلت له: أخبركم أحمد بن المبارك بإسناده عن سعيد عن قتادة عن الحسن قال: سأل موسى ربه أن يتوب على قومه من عبادة العجل فقال: يا موسى، لا توبة لهم إلا أن يقتلوا أنفسهم، فأخبر موسى قومه وقال: ﴿ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ﴾ [البقرة: ٥٤] أي: خالقكم، فقالوا: نصبر لأمر الله، وندم القوم على ما صنعوا، فأخذ موسى عليهم المواثيق ليصبرُنَّ على القتل، فأصبحوا غدوةً بأفنيتهم، كلُّ سبطٍ على باب بيته، وأمر موسى الذين لم يعبدوا العجل أن يقتلوا مَنْ عبده، وقال موسى: لعنة الله على رجل حلَّ حَبْوَته، فقتلوهم (١).


(١) "التوابين" ص ٨٦ - ٨٧، والحبوة: أن يجمع المرء بين ظهره وساقيه بعمامة ونحوها.