للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل وفيها توفي

عمرو بن معدي كَرِب

ابن عبد اللَّه بن عمرو بن عُصْم بن عَمرو بن زُبَيد الأصغر، وكُنيتُه أبو ثور، وكان شُجاعًا فارسًا، يُعدُّ بألفِ فارسٍ، كخالد بن الوليد والقَعقاع بن عمرو وطليحة وغيرهم، وله الغاراتُ المشهورة، والواقعات المذكورةُ، وكان قد كتب على سَيفه: [من الكامل]

ذَكَرٌ على ذكرٍ يَصولُ بصارمٍ … ذكَر يَمانٍ في يمين يَماني

وقد ذكرنا أن عَمْرًا وفد على رسول اللَّه في السنةِ العاشرةِ وأسلم (١).

وحكى هشام، عن أَبيه، عن عمرو قال: قَدِمتُ المدينةَ، فوافيتُ رسولَ اللَّه قافِلًا من تبوك، فأردتُ أن أَدنُوَ منه فمنَعني مَن حولَه، فقال لهم: دَعوه، فدنوتُ منه فقلت: انعَم صباحًا، أبيت اللعنَ، فقال: "يَا عمرو، أسلِم تَسلم، ويؤمِّنُك اللَّه من الفزعِ الأكبرِ، ذلك يومٌ يُصاحُ فيه بالناسِ، فلا يبقى ذو روحٍ إلَّا مات، ولا ميّتٌ إلا انتَشر، وتَسيرُ فيه الجبالُ، وتنشقُّ الأرضُ، وتَبرزُ النَّار لها لسانٌ، تَرمي بشَررٍ مثلِ قُلَلِ الجبالِ، فلا يبقى ذو روحٍ إلا انخلعَ قلبُه، وذكر ذَنْبه، فأين أَنْتَ من ذلك الفَزع يَا عمرو؟ " قال: فقُلتُ يَا رسولَ اللَّه، أما الآن فنعم، فأسلمتُ.

قال الواقدي: ولم يَحْسُن إسلامُه، وفي النفوسِ منه شيءٌ، وكان تَأثيرُ ذلك أنَّه ارتدَّ بعد وفاةِ رسولِ اللَّه ، ثم عاد إلى الإِسلام.

وبعثه عمر إلى القادسية، وكتب إلى سعدٍ: قد أمددتُكَ بألفَي رجلٍ، منهم عمرو وطُليحةُ، فشاوِرْهما في أمر الحرب، ولا تُوَلِّهما من أمر المسلمين شيئًا، وهذه كانت عادة أبي بكرٍ وعمر، لا يُوَلِّيانِ مَنْ أَسلم ثم ارتدّ ثم أسلم شيئًا (٢).

وأبلى عمرو بلاءً حسنًا يوم القادسيّة، وهو كان سبب هزيمة الفُرْس، قطع خراطيمَ الفِيَلة حتى انهزموا، ولعمروٍ يومئذٍ ثلاثون ومئةُ سنةٍ.


(١) سلف في السيرة.
(٢) من قوله: وبعثه عمر إلى القادسية. . . إلى هنا ليس في (أ) و (خ).