للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

محمَّد بن صَبيح

أبو العباس المُذَكِّر، مولى بني عِجْل، ويعرف بابن السَّمَاك (١). من الطبقة السابعةِ من أهل الكوفة. له المقاماتُ عند الخلفاءِ وغيرهم.

كان يقول: يا ابنَ آدم، إنَّما تغدو وتروحُ في كَسْب الأَرباح، فاجعل نفسَك ممَّا تكسبه، فإنَّك لن تكسبَ مثلها.

وقال المغيرةُ بن شُعيب: حضرتُ يَحْيَى بنَ خالدٍ البرمكيَّ [وهو يقول] لابن السمَّاك: إذا دخلتَ على هارونَ أميرِ المؤمنين، فأَوجِز ولا تكثر عليه. فلمَّا دخل عليه، قام بين يديه وقال: إنَّ لك بين يدي اللهِ مقامًا، وإنَّ لك من مقامك مُنْصَرَفًا، فانظر إلى أين يُنصَرَفُ بك، إلى الجنَّة أم إلى النَّار؟ فبكى هارونُ حتَّى كاد أن يموت.

وقال ابن السمَّاك: مَن امتطى الصبرَ قَوِي على العبادة، ومَن أجمع اليأسَ استغنى عن النَّاس، ومَن أهمَّته نفسُهُ لم يولِّ مؤنتَها غيرَه، ومَن أحبَّ الخير وفِّق له، ومَن كره الشرَّ جُنِّبه، ومَن رضي الدُّنيا من الآخرة حظًّا فقد أخطأَ حظَّ نفسه.

وكتب إلى أخٍ له: أمَّا بعد، فإنِّي أُوصيك بتقوى اللهِ الذي هو نجيُّك في سريرتك، ورقيبُك في علانيتك، فاجعله من بالك [على (٢)] حالك، وخَفْه بقدر قُربِه منك وقدرته عليك، وأعلم أنَّك بعينه ليس تَخرج من سلطانه إلى سلطان غيرِه، فلْيَعظُم منه حذرُك، وليكثر منه وَجَلُك، وأعلم أنَّ الذنبَ من العاقل أَعظمُ منه من الأحمق، ومن العالم أَعظمُ منه من الجاهل، وقد أصبحنا بزعمنا أَدِلَّاء، والدَّليلُ لا ينام في المَفازة، وقد كان عيسى يقول: إلى متى تصفون الطريقَ للدَّالجين وأنتم تُقيمون في محلَّة المتحيّرين، تُصفُّون البعوضَ من شرابكم وتسترطون (٣) الجِمال بأحمالها. يا أخي، كم [من] مذكِّرٍ بالله ناسٍ لله، وكم من مخوِّف بالله جريءٌ على الله، وكم من داعٍ إلى الله فارٌّ من الله، وكم [من] تالٍ لكتاب الله مُنْسَلخٌ من آيات الله. والسَّلام.


(١) حلية الأولياء ٨/ ٢٠٣، وتاريخ بغداد ٣/ ٣٤٧، والمنتظم ٩/ ٨٦، والسير ٨/ ٣٢٨، وتاريخ الإسلام ٤/ ٩٥٩.
(٢) زيادة من حلية الأولياء ٨/ ٢٠٦، وصفة الصفوة ٣/ ١٧٥.
(٣) أي: تبتلعون.