للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

واختلفوا فيمن عبد النار بعد قابيل فقال قوم: الملك جم لأنَّه قال: هي تشبه الشمس والكواكب.

وقال الشرقي بن القطامي: أوَّل من عبدها بعد قابيل أفريدون، قال: هي واسطة بين الربِّ العظيم وخلقه، وبها شرف العالم وبقاؤه، وبنى لها بيتًا بطوس وبيتًا ببخارى وبيتًا بسجستان.

وقال عمرو بن بحر الجاحظ: أوَّل من عَبَدها بَهْمَن بن اسفنديار، وبنى لها بيتًا بأرَّجَان ثمَّ تتابع الفرس على عبادتها، لما نذكره.

[فصل في وصية آدم ووفاته]

روى وهب بن مُنبِّه عن ابن عباس قال: لما كثُرت ذريَّة آدم اجتمع إليه من ولده وولد ولده أربعون ألفًا، فجعلوا يتحدَّثون وهو ساكت، فقالوا له: يا أبانا، ما بالنا نتكلَّم وأنت ساكت؟ فقال: يا بنيَّ، إنَّ الله لمَّا أهبطني من جواره عهد إليَّ فقال: يا آدم أقللْ من الكلام حتى ترجع إلى جواري (١).

فلما احتضر دعا شيئًا فأوصاه وعهد إليه، وكتب وصيَّته، وأمره أن يخفيها عن بني قابيل، وخصَّ شيئًا وولده بها، وعلَّمه عبادة الخالق، وساعات الليل والنَّهار، والحدود والشرائع، وقال: يا بنيَّ، إن الله أوحى إليَّ أني مُخرِج منك نوري الذي أريد به السُّلوك في الأرومات الشريفة، والقنوات الطاهرة، والأصلاب النقية، والأرحام الزَّكيَّة، أباهي به الأنوار، وأجعله خاتم الأنبياء، وأجعل أمَّته خير الأمم، وفيهم الخلفاء والعلماء، أقدس الأرض بوجودهم. وإني غشيت حوَّاء وانتقل ذلك النُّور إليك، فاحتَفِظ به. وذكر كلامًا في هذا المعنى (٢).

وكان آدم يحبُّ شيئًا حُبًّا شديدًا، وخصوصًا منذ انتقل إليه النور، وكان شيث أَسْرى


(١) أخرجه ابن عساكر في "تاريخه" ٧/ ٤٤٧.
(٢) انظر "مروج الذهب" ١/ ٦٧ - ٦٨.