وقد ذكرنا سيرتَه متفرقةً في الكتاب، فنذكرُ ما وقعَ إلينا من أخبارِه وذكرِ طرف منها.
قال علماء السير: عن الربيع الحاجب قال: كان أبو جعفر يصلِّي الفجرَ، ثم يجلسُ فينظر في مصالح الرعية إلى الظهر، فيصلِّي، ثمَّ يقيل إلى العصر، ثم يجلس من وقت العصر إلى المغرب يقضي حوائجَهم، ثمَّ يصلِّي ويقرأ ما بين المغرب والعشاء الآخرة، ثمَّ يجلسُ مع سُمَّاره إلى ثلث الليل الأوَّل، ثم ينام الثلث الأوسط، ثم ينتبه فيصلِّي إلى الفجر، ثم يقرأ في المصحف حتَّى ترتفعَ الشمس، فيجلس للناس، وكان هذا دأبَه طولَ خلافته إلى أن توفي.
ذكر مذهب أبي جعفر في الغناء:
قال الصولي: إنَّ أبا جعفر لم يكن يظهر لندمائه بشربٍ ولا غناء، ولا رآهُ أحدٌ يشربُ غير الماء، وبينه وبين ندمائه ستارة، فإذا أعجبه غناءُ مغنٍّ قال: باركَ الله فيك، وما كان يعطي الندماء والمغنين من بيت المال. وقال الأصمعيّ: لم يكن يُسمَع في دار المنصورِ لهوٌ ولا غناء ولا لعب.
قال حماد التركي: كُنْتُ واقفًا على رأسه، إذ سمعَ صوت جلبة في الدار، فقال لي: انظر ما هذا؟ فنظرت، وإذا خادمٌ بيده طنبور، وقد جمعَ الجواري حولَه، وهو يلعب به، وهنَّ يضحكن منه، قال: فأخبرته فقال: وما الطنبور؟ قلت: ملهاةٌ تعمل بخراسان، فقال: خذه من يده، واضرب به رأسَ الخادم حتَّى تكسرَه على رأسه، ثمَّ اذهب بالخادم إلى السوق فبعه، قال: ففعلتُ ما أمرني به (١).
وهذا يدلُّ على أنَّه كان يكرهُ الغناء.
ذكر أخباره متفرقة:
حكى الهيثم بن عديّ قال: كان المنصور يبخلُ إلَّا في الطيب، فإنَّه كان يُغلِّفُ رأسه ولحيته في كل شهرٍ بألف مثقالٍ من أنواع الطيب، وكان يأمرُ أهله به.