ولما عاد معاوية إلى فُسطاطه جلس وأصحابُه حولَه، فنظر إلى عمرو بن العاص وضحك، فقال له عمرو: ما أضحكك؟ قال: يومُك مع ابن أبي طالب، فقال له عمرو: فاضحك على نفسك، ألستُ الذي أشرتُ عليك بمُبارزته فاحوَلَّتْ عيناك، وأزبَدَ شِدقاك، وبدا منك ما أكرهه أنا وغيري، ووالله لو بدا له منك مثل ما بدا من صَفحتي لأَيتمَ عيالك، وأوجع قَذالك، ولكنك احترزتَ منه بالرجال في أيديها السُّمر العَوالي.
وقال هشام: نظر معاوية يومًا من أيام صفين إلى إحدى مَجنَبتَيْ العسكر وقد مالت، فلَحظها بطَرْفه فاستَوتْ، فقال له عمرو بن العاص أهذا شيءٌ دَبَّرتَه يوم قُتل عثمان؟ قال: بل يوم قُتلَ عمر بن الخطاب.
وحجّ في هذه السنة بالناس عُبيد الله بن العباس بأمر أمير المؤمنين.
وفيها توفي.
أسلم مولى رسول الله ﷺ -
وكُنيته أبو رافع، وقد ذكرناه في الستة الحادية عشرة من الهجرة في موالي رسول الله ﷺ، وأنه كان مملوكًا للعباس بن عبد المطلب، فوهبه لرسول الله ﷺ فلما بَشَّر رسول الله ﷺ بإسلام العباس أعتقه رسول الله ﷺ، وهاجر بعد بدر إلى المدينة، وشهد أحدًا والمشاهد كلَّها مع رسول الله ﷺ، وزوَّجه رسول الله ﷺ مولاته سَلمى، وتُوفّي في هذه السنة بعد قتل عثمان، وولدت له سَلمى عبيدَ الله على ما قيل، وقد ذكرنا مَن اسمُه أسلم في السنة الحادية عشرة، وليس في موالي رسول الله ﷺ مَن اسمُه أبو رافع غيره.
وقد أسند عن رسول الله ﷺ أحاديث، واختلفوا فيها، فقال ابن البَرْقي: هي بضعة عشر حديثًا، وقال غيره: ثمانية وستون.
وأخرج له في "الصحيحين" أربعة أحاديث، انفرد البخاري بحديث، ومسلم بثلاثة، وأخرج أحمد سبعة عشر حديثًا، منها حديث عائشة ﵂ الذي قال له رسول الله ﷺ:"اردُدْها إلى مَأمَنها"(١).
(١) مسند أحمد (٢٧١٩٨) ولفظه: قال رسول الله ﷺ لعلي بن أبي طالب: إنه سيكون بينك وبين عائشة أمر =