للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فصل في بناء البيت]

واختلفوا فيه على أقوال:

أحدها: أن الله تعالى بناه قبل خلق الدنيا لا ببناء أحد. فروى أبو صالح عن ابن عباس قال: كان العرش على الماء قبل خلق الأرض بألفي عام، فأرسل الله ريحًا فصفقت الماء فأبررْت عن خشفة كالقبَّة، وهي موضع البيت، فدحيت الأرض من تحتها.

وقال مجاهد: خلق الله موضع هذا البيت قبل خلق السماوات والأرض بألفي عام، وإنَّ قواعده لفي الأرض السابعة، وكان فيه قناديل من الياقوت، وهذا قول ابن عباس ومجاهد والسُّدي وغيرهم.

قال مقاتل: ولما حجَّ آدم تلقته الملائكة فقالت: يا آدم بَرَّ حجُّك، لقد حججنا هذا البيت قبلك بألفي عام، فقال: اللهم اجعل له عمارًا من ذرِّيتي، فقال الله: إني سآمُر نبيًّا من ذريّتك اسمه إبراهيم يعمره.

والثاني: أن الملائكة بنته لما قالوا: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا﴾ [البقرة: ٣٠] فقال لهم الله تعالى: ابنوا لي في الأرض بيت وطوفوا حوله كما تطوفون حول عرشي، وقد ذكرناه، ثم بقي على حاله.

وقيل: إنه تشعّث فجدَّده آدم، وزاده شيث، وبقي إلى أيام الطوفان، فنسفه الغوق وبقي مكانه ربوة حمراء تأتيه السيول من كل مكان، ويأتيه المظلوم فيدعو عنده، حتى جدَّده إبراهيم.

وحكى ابن سعد عن الواقدي قال: كان لإبراهيم يوم بناه مئة سنة ولإسماعيل ثلاثون سنة (١).

وروي عن علي كرم الله وجهه أنه قال: لما أمر إبراهيم ببناء البيت لم يدر كيف يصنع، وضاق به ذرعًا، فأرسل الله الريه الخَجُوج، وهي السكينة، ولها رأسان


(١) "الطبقات الكبرى": ١/ ٥٢، وفي (ب): "ثمانون سنة".