للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان شيخًا، مهيبًا، طُوالًا، عادلًا، منصفًا، نِقْمةً على عبيد مكة والمُفْسدين، والحاجُّ في أيامه مطمئنون آمنون على أموالهم ونفوسهم، [ولقد رأيتُهُ لما حججنا] (١)، وكان يُؤذَّن في الحرم بحي على خير العمل، وما كان يلتفت إلى أحدٍ من خلق الله، ولا وطئَ بساط الخليفة ولا غيره، ويُحمل إليه في كلِّ سنة من بغداد الخِلَع والذَّهب، وهو في داره بمكة، وكان يقول: أنا أَحقُّ بالخلافة. ولم يرتكب كبيرة على ما قيل، وكَتَبَ إليه الخليفة يستدعيه، ويقول: أنتَ ابنُ العَمِّ والصَّاحب، وقد بلغني شهامتُك وحِفْظُك للحاجِّ، وعَدْلُك، وشَرَفُ نفسك، وعِفَّتُك، ونزاهتُك، وقد أحببتُ أَنْ أراك وأشاهِدَك، وأحسنَ إليك، [وأتبرك بقدومك عليَّ،] (١) فكتب إليه: [من الطويل]

ولي كَفُّ ضِرْغامٍ أُدِلُّ ببطشها … وأَشْرِي بها بين الورى وأبيعُ

تَظَلُّ ملوكُ الأرضِ تلثمُ ظَهْرَها … وفي وَسْطها للمُجْدبين ربيعُ

أأجعلها تحت الرَّحى ثم أبتغي … خلاصًا لها إنِّي إذًا لرقيعُ

وما أنا إلَّا المسْكُ في كل بقعةٍ … يَضُوعُ وأما عندكم فيضيعُ

وكانت وفاته في جُمادى الأولى بمكَّة.

محمَّد بن عمر بن حَمُّوية (٢)

أبو الحسن، صَدْر الدِّين، شيخ الشيوخ.

كان صلاح الدِّين قد ولَّاه المشيخة مكان أَبيه عند وفاة أَبيه سنة سبعٍ وسبعين وخمس مئة، ولما ولي العادل مصر ولاه تدريس الشَّافعي ومشهد الحسين والنظر في الخانكاة.

وكان فاضلًا، فقيهًا، سِكِّيتًا، لا يتكلم فيما لا يعنيه، وكانت له الحُرْمة الوافرة عند العادل وأولاده، وكان كثيرَ الخير، ولما استولى الفرنج على دِمْياط بعثه الكامل إلى


(١) ما بين حاصرتين من (ش).
(٢) له ترجمة في "التكملة" للمنذري: ٣/ ١٥ - ١٦، و"المذيل على الروضتين": ١/ ٣٣٥ - ٣٣٦، وفيه تتمة مصادر ترجمته.