للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عبد الله بن السائب المخزومي]

من الطبقة الثالثة من أهل المدينة، والسائبُ له صحبة، وكان خليطَ رسول الله ، وقال في حقِّه: "نعم الخليطُ السائبُ، لا يُشاري، ولا يماري" (١).

وكان عبد الله أديبًا، عفيفًا، مغرى بحبِّ الغزل، يهتزُّ عند سماعه، صام يومًا، فلما صلَّى المغرب وقُدّمت المائدةُ سمع قائلًا يقول ويترنَّم بقول جرير:

إن الذين غَدَوا بقلبك غادروا … وَشَلًا بعينك لا يزال مَعِينا

غيَّضن من عَبَراتهن وقلن لي … ماذا لقيتَ من الهوى ولقينا (٢)

فقال عبد الله: كلُّ امرأةٍ له طالقٌ، وكلُّ مملوك له حرّ إن أفطَرَ في هذه الليلة إلا على


(١) أخرجه أحمد (١٥٥٠٥)، والخطيب في تاريخ بغداد ١١/ ١٣٢، وأخرجه أبو داود (٤٨٣٦)، وابن ماجه (٢٢٨٧)، بنحوه، وجاء عندهما أن السائب هو الذي قال ذلك للنبي . والحديث مضطرب جدا، قال ابن عبد البر في ترجمة السائب من الاستيعاب (١٠٦١): منهم من يجعل الشركة مع رسول الله للسائب بن أبي السائب، ومنهم من يجعلها لأبي السائب أبيه، ومنهم من يجعلها لقيس بن السائب، ومنهم من يجعلها لعبد الله بن السائب، وهذا اضطراب لا يثبت به شيء، ولا تقوم به حجة. اهـ.
أما جعل المصنف لعبد الله بن السائب من الطبقة الثالثة من أهل المدينة، فلم نقف على من وافقه على ذلك سوى ما جاء في تاريخ بغداد ٣/ ١٣١، والمنتظم ٧/ ٣٢٩ من أنه مديني، وزاد الخطيب أنه قدم الأنبار على أبي العباس السفاح، والله أعلم بصواب ذلك كله؛ فإن عبد الله بن السائب بن أبي السائب المخزومي عداده في صغار الصحابة، وهو مقرئ أهل مكة، وذكره ابن سعد ٦/ ٩٤ - ٩٦ في الطبقة الرابعة فيمن أسلم عند فتح مكة، وكان قد ذكر قبله ترجمة أبيه في الطبقة ذاتها، وأورد له حديث شركته مع النبي .
وكذلك ترجم ابن عبد البر لعبد الله بن السائب في الاستيعاب (١٤٩٢)، وقال: من قراء أهل مكة، سكن مكة وتوفي بها. اهـ.
وكذلك قال الذهبي في السير ٣/ ٣٨٨، وقال في تاريخ الإسلام ٢/ ٦٥٧: توفي بعد السبعين، وقيل غير ذلك.
وأما والده السائب بن أبي السائب فقد ذكر ابن عبد البر في الاستيعاب (١٠٦١) أنه قد اختلف في صحبته، وأن منهم من جعله فيمن قتل بوم بدر كافرًا، ثم رجح إسلامه وأنه من جملة المؤلفة قلوبهم، وممن حسن إسلامه منهم.
وانظر كذلك تهذيب الكمال ٣/ ١٠٤، و ٤/ ١٤١ - ١٤٢.
ولعل عبد الله بن السائب الذي ترجم له الخطيب وابن الجوزي والمصنف هو غير الصحابي، فاختلطت ترجمة هذا في ترجمة هذا، والله أعلم بالصواب.
(٢) ديوان جرير بشرح ابن حبيب ١/ ٣٨٦. والوشَل: الماء السائل شيئًا بعد شيء.