ثم عادوا إلى مضاجعهم وناموا، فتوفّى الله نُفوسَهم، وأمر الملك أن يُتَّخذَ لكلِّ واحدٍ منهم تابوت من ذهب، فرآهم في منامه وهم يقولون: لا تَفعلْ هذا، فنحن من التُّواب خُلِقنا، وإليه نعود، فاترُكْنا على حالنا، فتركهم وبنى عليهم مسجداً، وصنع لهم عيداً في كل سنة، وهم من الحواريين (١).
ومنهم أصحاب يس، قال الله تعالى: ﴿إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا﴾ [يس: ١٤]. اتَّفقوا على أنهما أُرسِلا إلى أنطاكية فكذَّبوهما ﴿فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ﴾ ووالثالث شمعون، وقيل: سمعان.
[ذكر القصة]
كان ملك أنطاكية يعبد الأوثان، فلما قَرُبا من أنطاكية إذا بشيخ يرعى غنماً، وهو حَبيب النّجار، فسلما عليه فقال: مَن أنتم؟ قالا: رسولا عيسى المَسيح، قال: وما جاء بكما؟ قا لا: ندعوكم من عبادة الأوثان إلى عبادة الرحمن. قال: أمعكما آية؟ قالا: نعم، نشفي الأكمَه والأَبرص بإذن الله. فقال حبيب: إن لي ابناً صاحب فِراش منذ سنين، وانطلق بهما إلى منزله، فمسحا أيديهما عليه، فقام صحيحاً بإذن الله.
ثم شَفيا خَلْقاً عظيماً، وبلغ المَلك، فاستدعاهما وقال: مَن أنتما؟ فقالا له مثل ما قالا لحَبيب، فقال: قُوما حتى أَنظرَ في أمركما، وقيل: إنهما لم يَصلا إلى الملك، بل أقاما عند حبيب النجار وكان قَزَّازاً.
فركب الملك يومًا، فوَقفا له، وكبَّرا وذكرا الله، فغضب، وأمر فجُلِد كلُّ واحد منهما مئة جلدة وحُبِسا، فحينئذٍ بعث عيسى ﵇ شمعون رأسَ الحواريّين على إِثرهما ليَنْصُرَهما، فلما وصل إلى أنطاكية دخل مُتَخفِّياً، يُؤنِسُ حاشيةَ الملك، حتى أَنِسوا به، وأعجبهم عَقلُه، فرفعوا خَبَره إلى الملك، فدعاه فأعجبه وأَنِس به.
فقال له يوماً: أيّها الملك، بلغني أنك ضربتَ رجلين وسجنتَهما حين دَعواك إلى