للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قصة جرت لبَجكم

قال سنان: قال لي بجكم: يميل الملك إذا حزَبَه أمرٌ من الأمور أن يكون جميع ما يَملك من مالٍ وغيره أقلَّ في عينه من التُّراب، ولم يَخْذِفْه كما يخذف الحَصاة (١)، فإنِ اندفَع عنه المَكروه كان قادرًا على استخلاف أضعاف ما يخرج عنه، وإنْ هو بَخِل ذهبَت روحُه مع ما في يده.

لمَّا قلدني ابن رائق الأهواز، ولم يكن ذلك برأي أبي بكر بن مُقاتل كاتبِه، فلمَّا بلغه الخبرُ قامَت قيامتُه، وقال لابن رائق: عزمتَ على أن تقلِّد بَجكم الأهواز؟ قال: نعم، قال: أخطأتَ على نفسك غاية الخطأ، أنت لا تقوى علي بني البَريدي، وهم كُتَّاب أصحاب دَراريع، ولا تقدر على صَرْفهم، ولا على تَخْليص المال ولا البلد من أيديهم، تُقلِّدُ رجلًا تركيًّا صاحبَ سيف -وإنَّما صحِبك قريبًا- مثلَ الأهواز؟! وقد عرفتَ نفوس الأتراك، وما هو إلا أن يحصلَ البلد في يده، ويرى حُسْنَه وكثرةَ أمواله، وكثرة مَن معه من الجيش، حتَّى تُحدِّثه نفسُه بالتغَلُّب عليه، وربَّما تغلَّب عليك وأزالك عن مَرْتَبتك، فتكون أنت الجاني على نفسك، فثَنى رأي ابن رائق عما كان عزم عليه.

وبلغني، فضاق صدري، واغتَمَمْتُ غَمًّا شديدًا، وشاورتُ محمد بن ينال فلم يكن عنده رأيٌ، وهوَّن عليه، فقلتُ في نفسي: ابنُ مقاتل تاجرٌ عامِّي، وأنفُسُ التجار دَنِيَّة، والدِّرهم يكبر في نفوسهم.

فأخذتُ عشرة آلاف دينار، ونزلتُ في سُمارَّية ومعي محمد بن ينال تَرْجُمانٌ ليس معي غيرُه، وصرتُ إلى باب ابن مُقاتل فوجدتُه مغلقًا، وطرقتُه فكلَّمني البَوَّاب من وراء الباب فقال: الرجلُ نائم، وبيني وبينه أبواب، قلمتُ: اطرُقها فإنِّي قد حَضَرتُ في مُهمٍّ لا يجوز تأخيرُه، فدقَّها، وكلَّمه من ورائها، وأخبره ففتح.

ودخَلْنا وهو في فراشه، فانزعج لحضوري وقال: ما الخبر؟ قلتُ: أمرٌ أردتُ أن أُلقيَه إليك على خَلْوَة. فقال: قل، قلتُ: ما أطلعتُ عليه أحدًا إلا هذا التَّرْجُمان لثقتي


(١) كذا في (خ)، وقد ذكر هذه القصة الهمداني في تكملة الطبري ٣١٣ مختصرة جدًّا.