للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أصحابُ الشُّرَط من البلد، وعجزَ مُشرِّف الدولة والجندُ عنهم، وأحرقوا دور الأكابر، أحرق أهلُ بابِ البصرة دارَ الشريف المرتضى -التي على الصَّراة- وغيرَها، وتفاقم الأمرُ، وعاد العلويُّون إلى أقبح أحوالهم، وكانوا يدخلون على الرجل فيطالبونه بذخائره ويستخرجونها منه بالضرب كما يفعل المُصادرون، ويستغيثون فلا يجدون مُغيثًا، وقُتِلَ كثيرٌ من أصحاب الشُّرطة.

وكانت هذه الفتنُ قائمةً من رجب هذه السنة إلى آخر سنة ست عشرة وأربع مئة، وكان مُشرِّف الدولة قد توفِّي في ربيع الأول، فوقع الطمعُ، وخرِبَتْ بغداد، وسافر عنها التجار والأعيان.

ولم يحجَّ في هذه السنة من خراسان ولا من العراق أحدٌ. وقيل: إنَّ الحجَّ بطَلَ من هذه السنة إلى سنة اثنتين وعشرين وأربع مئة، التي وَلَىَ القائمُ بأمر الله فيها (١).

وفيها تُوفِّي

سابور بن أرْدَشير (٢)

وَزَرَ لبهاء الدولة ثلاث مرات، ووَزَرَ لمشرِّف الدولة، وكان عفيفًا عن الأموال والحريم، كثيرَ الحلم، سليمَ الباطن، وكان إذا سمع صوتَ الأذان تركَ ما هو فيه من الأشغال وقام إلى الصلاة، ولا يلوي على شيء حتى يفرغ من صلاتِه، وكان كثيرَ العزل والولاية من شفقته على المسلمين، ولَّى بعضَ العمَّال عُكْبَرا، فقال له العامل: أيُّها الوزير أكتري للسُّمَّاوية (٣) مُصعِدًا ومنحدرًا أم مُصعِدًا؛ فتبسَّم وقال: مُصعِدًا آمنًا.

قد ذكرنا أنَّه بنى بالكَرْخ دارًا سمَّاها دار العلم في سنة إحدى وثمانين وثلاث مئة، ونَقَلَ إليها عشرةَ آلاف مجلدة، ووقفَ عليها الأوقاف، فبقيت سبعين سنة، فلمَّا دخل طُغْرُلْبَك بغداد سنة أربع مئة وخمسين وقعتِ الفتنُ فأُحرِقَت.

وكانت وفاتُه ببغداد وقد قارب سبعين سنة.


(١) تنظر هذه الأخبار في المنتظم ١٥/ ١٧٠ - ١٧١.
(٢) المنتظم ١٥/ ١٧٢.
(٣) السمارية: ضرب من السفن.