لأجل عسكره، فإنه كان شحيحًا والعرب ذامةٌ له، متفلِّلةٌ عنه لأجل اسمِه وذِكْرِه، فبذل له أن يُقطِعه أملاكَ الخليفة وإقطاعَه، وأن يكون ما عدا ذلك بينهما نصفين من البلاد والغنائم، وأن لا يكون لقريش ذمامٌ ولا إجارةٌ عليه، وتحالفا على ذلك وتكاتبا وتعاهدا، فلمّا دخلا بغداد تسلَّم قريش الأملاك والإقطاعات التي للخليفة، وخرج أصحابه إلى الضياع، فصادروا أهلها، وأخذوا ما قدروا عليه، ولمّا استوليا على دار الخليفة اقتسما ما كان فيها من مال وجوهر وقماش وثياب وخيل، وطلب قريشٌ أن يُسلِّم إليه نصف الإقطاعات المنحلَّة عن الغلمان البغدادية وغيرهم، فامتنع البساسيري من ذلك، ثمَّ اتَّفقا على الثلث، إلى أن وصل السلطان البلاد، فزال ذلك كلُّه، ودخل الخليفةُ إلى داره، وقُتِلَ البساسيري، ومات قريشٌ بالموصل خائفًا من السلطان، وقام بعده ولده مسلم، وكنيتُه أبو البركات. وقيل: إن قريشًا مات في السنة الآتية، وكان السلطان قد أباح دَمَه، وقال: لا عهدَ له عندي ذاك الكَذّاب الغَدّار المستبيحُ أموال الخليفة وبُلَغَه، فمات في صفر.
[السنة الثانية والخمسون والأربع مئة]
فيها في صفر نزل عطية صاحب بالِس إلى الرحبة وحصرها وفتحها، فلمّا دخلها أحسن معاملة أهلها، وخطب للمستنصر بعد أن كان قد خطبوا فيها للقائم والسلطان.
وفي يوم الخميس سابع عشره دخل السلطانُ بغداد مصعدًا من واسط، وفي خدمته أبو كاليجار هزارسب، وأبو الأغر بن مَزْيَد، وأبو الفتح بن وَرّام، وصدقة بن منصور بن الحسين، وجلس الخليفة للسلطان، ووصل إليه يوم الاثنين الحادي والعشرين منه، وخلع عليه عمامةَ قصب مُذْهَبة مينا، وفَرَجية ديباج مُذْهَبة، وعمل الخليفةُ سِماطًا عظيمًا في رُواقِ رَوْشَن المكتفي المشرف على دجلة بعد أن أُعيدت شرافاته التي قلعها البساسيري، وحضر السلطانُ ومَنْ سمَّينا، واستحلفوا على طاعة السلطان والخليفة وخلع على الأمراء.
وفي ثاني ربيع الأول توجَّه السلطان إلى الجبل، وتأخَّر عميد الملك بعده ليدبر الأمور، ثم لحق بالسلطان بعد أن دخل على الخليفة وخدمه، فشكره وخاطبه بالجميل الذي شرح صدره، ولقَّبه سيِّدَ الوزراء مضافًا إلى عميد الملك.