للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذكر قصته]

قال علماء السِّير كابن إسحاق والكلبي ووهب والسدي وغيرهم، قالوا: ولما قبض حِزقيل عظمت الأحداث في بني إسرائيل فظهر لهم عدوٌّ من العمالقة يقال له: ليبشاثا، وهم قوم جالوت، وكانت منازلهم على ساحل البحر الرومي (١) بين مصر وفلسطين. فقصدوا بني إسرائيل فقتلوهم وسبَوهم وأجلَوهم عن ديارهم، وضربوا على من بقي منهم الجزية، وأسروا من أبناء ملوكهم أربع مئة وأربعين غلامًا، وأخذوا منهم التوراة ولقوا منهم بلاءً وشدة، ولم يكن لهم نبيٌّ يدبر أمرهم، فكانوا يسألون الله تعالى أن يبعث لهم نبيًا يقاتلون معه العمالقة، وكان سبط النبوَّة قد هلك فلم يبق منهم إلا امرأة حبلى فحبسوها في بيتٍ مخافةَ أن تلد جاريةً فتبدلها بغلام لما رأوا من رغبة بني إسرائيل في ولدها، فجعلت المرأة تسأل الله أن يرزقها غلامًا فرزقها إشموئيل، ومعناه: "سمع الله دعاءها". فلما كبر الغلام أسلمته أمه في بيت المقدس يتعلم التوراة، وكفله شيخ من علمائهم وتبناه، فلما بلغ الغلام وأراد الله أن يبعثه نبيًا، أتاه جبريل وهو نائم إلى جانب الشيخ فناداه بلغة الشيخ: يا إشموئيل، فقام الغلام فزعًا فقال: يا أبتاه دعوتني؟ فكره أن يقول: لا، فقال: يا بني، ارجع فنم فرجع، فناداه جبريل ثانيًا وثالثًا فقال الشيخ في الرابعة: إن دعوتك فلا تجبني، فظهر له جبريل بالرسالة وقال: اذهب إلى القوم، فذهب إليهم وقال: إنَّ الله قد أرسلني إليكم، فكذبوه وقالوا: استعجلت النبوة ولم يُؤْذَنْ لك، فإن كنت صادقًا فابعث لنا ملكًا نقاتلْ في سبيل الله فيكون ذلك أمارة نبوَّتك. وكان قِوامُ أمر بني إسرائيل بالاجتماع على الملوك وطاعة الملوك أنبياءَهم، وكان الملك هو الذي يسيِّرُ الجموع، والنبي يقيم له أمره ويسدِّدُه، وتأتيه الأخبار من ربِّه تعالى (٢).

وقال وهب: أقام فيهم إشموئيل أربعين سنة يتهيؤون لقتال جالوت وعرف ذلك، فلما قالوا: ابعث لنا ملكًا نقاتل في سبيل الله ﴿قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ


(١) في "ب": بحر القلزم.
(٢) انظر "عرائس المجالس" ص ٢٦٦.