هذا يحيى بنُ خالدٍ يسألني عن الشيء، فإن أبطأت عيَّبَ عليّ، وإنْ بادرتُ لم آمَن الزَّلل، فقلت ممتحنًا له: يا أبا الحسن، مَن يَعترض عليك! قل ما شئتَ فأنت الكسائيّ. فأخذ لسانَه بيده وقال: قطعه اللهُ إذن إن قلتُ ما لا أعلم.
ذكر وفاته:
مات بالرَّيِّ في قريةٍ يقال لها رَنْبَويه سنةَ تسعٍ وثمانين ومئة، ومات في ذلك اليومِ محمَّد بن الحسن، فقال هارون: دفنتُ الفقة والعربيةَ بالرَّي. وبلغ الكسائيُّ سبعين سنة.
وقال أبو مِسْحَل: رأيت الكسائي بعد موتِه في النوم وكأنَّ وجهه البَدر، فقلت: ما فعل اللهُ بك؟ فقال: غفر لي بالقرآن، فقلت: فما فعل حمزةُ الزيَّات؟ قال: ذاك في عِليين، وما نراه إلَّا كما يُرى الكوكب الدُّرِّي. قال أبو مسحل: فلم يدع قراءتَه حيًّا وميِّتًا.
أَسند الكسائيُّ عن أبي بكر بنِ عيَّاش وسليمانَ بنِ أرقمَ وغيرِهم، وروى عنه القاسمُ بن سلام وغيرُه.
محمَّد بن الحسنِ بن فرقَدٍ الشَّيباني
صاحبُ أبي حنيفة، ويُكنى أبا عبدِ الله، مولى بني شَيبان (١).
والحسنُ من حَرَسْتا قريةٍ بغوطة دمشق، ثم انتقل إلى العراق وسكن واسِطًا، فولد محمَّد بها، وكان أبوه موسِرًا جُنديًّا. قال محمَّد: ترك أبي ثلاثين ألفًا، فأنفقتُ خمسةَ عشرَ ألفًا على النَّحو والشعر، وخمسةَ عشر ألفًا على الفقهِ والحديث.
وكان محمَّدٌ إمامًا في جميع العلوم. ولمَّا وُلد حمله أبوه تلك الليلةَ فأَسمعه الحديث، وتفقَّه على أبي حنيفة، وتوفي أبو حنيفةَ وهو ابنُ ثماني عشرةَ سنة.
كان أبو حنيفةَ يتكلَّم في مسألة الصبيِّ إذا صلَّى العشاءَ الآخرةَ ثم بلغ قبل طلوعِ الفجر، ومحمَّد قائمٌ في الحلقة وهو صبيّ، فقال أبو حنيفة: يجب الإِعادةُ عليه؛ لبقاءِ الوقت في حقِّه، فمضى محمَّد واغتسل، وعاد فوقف مكانَه، فاستدعاه أبو حنيفةَ
(١) طبقات ابن سعد ٩/ ٣٣٨، تاريخ بغداد ٢/ ٥٦١، المنتظم ٩/ ١٧٣، السير ٩/ ١٣٤، تاريخ الإسلام ٤/ ٩٥٤.