للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال الهيثم: لما طلب المهديُّ صالحًا هرب واستخفى منه، ومات المهديُّ وقام الهادي، فلم تَطُلْ أيامه، فلم يطلبْه، ووَلي الرشيدُ وقدم الرقَّة، فجلس يومًا مجلسَ العامَّة، فدخل عليه صالحٌ وهو لا يعرفه، فأنشد: [من الكامل]

لَمَّا رأتكَ الشمسُ طالعةً … سجدتْ لوجهك طلعةُ الشمسِ

خيرُ الخلائقِ أَنْتَ كلِّهمِ … في يومك الماضي وفي أمسِ

مِن نبعةٍ طالت أَرومتها … أهلِ الوفا ومعادنِ القُدس

إنِّي أتيت إليك من جَزَع … كان التوكُّل عنده تُرسي

واللهُ يعلم أنَّني رجل … ما إنْ أَضعتُ إِقامةَ الخَمس

من أبيات، فقال له هارون: مَن أَنْتَ؟ فقال: عبدُك صالح، قال: قد عفونا عنك.

وأمر له بعشرة آلافِ درهم، وكتب له كتابًا إلى عامل البصرةِ يوصيه به (١).

والظاهر أن المهدي قتله، والله أعلم.

عُتبة بن أَبان بنِ صَمعة (٢)

ويلقَّب بعتبة الغلام لصِغَر سنِّه، بل لجِدِّه في العبادة واجتهادِه. وكان كثيرَ التعبُّد والبكاء، يصوم الدهرَ ويُفطر على خبز الشعير والملح الجَرِيش، وكان يَعجِن دقيقَه في الشَّمس ويأكله ويقول: كِسرةٌ وملحٌ حتَّى يُهيَّأ لنا الطعامُ الطيِّب في الدار الأخرى. وكان يَضفِر الخُوصَ ويتقوَّت به.

وهو من الطَّبقة السادسةِ من أهل البصرة.

بكى في مجلس عبدِ الواحد بن زيدٍ تسعَ سنين، لا يفترُ من البكاء من حينِ ابتداءِ عبد الواحدِ إلى حينِ يقوم، فقيل له: إنَّا لا نفهم كلامَك من بكاء عُتبة، فقال: تبكي عينُه على نفسه وأَنهاه أنا! لَبئس واعظُ قومٍ أنا!

ونام عُتبةُ ليلةً على جانب البحرِ وقال: إنْ تعذِّبْني فإنِّي لك مُحبّ، وإنْ رحمتَني فإنِّي


(١) الحكاية في زهر الآداب ٢/ ٨٤٠ - ٨٤١، وصاحبها علي بن خليل مولى يزيد بن مزيد الشَّيبانِيّ، لا صالح بن عبد القدوس. والله أعلم.
(٢) في (خ): صنعة. والمثبت من المنتظم ٨/ ٢٩٢، وتاريخ الإِسلام ٤/ ٤٥١، والبداية والنهاية ١٣/ ٥٣٦.