للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والقُضاةَ، وحلفَ له على الوفاء، وكان صالحٌ قد طلب منه رهينةً، فبعث إليه بوالديه وولده وأهله، فقال صالح: أنا عبدُكَ وابنُ عبدِكَ. وجلس ابنُ لؤلؤ فِي القصر، وهنَّأه الناسُ بالسلامة.

ولمَّا صارَ صالحٌ على حلب دخلت عليه والدتُه وقالت: يا صالح، قد أعطاكَ اللهُ ما لم تسأَلْهُ، وبلَّغَكَ ما لم تؤمِّلْهُ، وأجابَ دعائي فيكَ، وردَّكَ عليَّ بعد يأسي منكَ، وملَّكَكَ مَنْ كان بالأمسِ مالِكَكَ، ووفَقَكَ لاصطناعِه، وسيَشيعُ فِعْلُك وتتداولُه الألسُن فِي الأندية والمحافل، ويؤرَّخ فِي الكتب والسّير، فتَمِّمِ الصنيع بردِّ هؤلاء الرهائن، فإنَّ الرجل إذا أراد أن يفيَ لكَ وفي، وإن عزم على الغدر لم يُفكِّرْ فيمَنْ عندك، وهذه العجوزُ والدتُه قد ربَّتْكَ، ولها عليكَ حقٌّ كثير. فقال: سمعًا وطاعة. وأرسل إلى والدة ابنِ لؤلؤ يقول: اذهبي ومَنْ معكِ إلى داركِ. فقالت: حتَّى يبعث إليكَ ابني ما شرط عليه. فقال: لَعَمْري إنَّ الشَّرطَ بيننا كذا، ولكن لكِ عليَّ الحقوقُ ما يُوجِبُ حيائي منكِ، وظنِّي فِي ابنِكِ الوفاء، فإنِ اختارَ الغدرَ فهو أعلمُ بما يلقى. فخرجَتْ من الخيام ودخلَتْ دارَها بحلب، ورحل صالحٌ فنزلَ على فرسخٍ، وسُرَّ ابنُ لؤلؤ، وأطلقَ مَنْ كان عنده فِي الاعتقال من بني كلاب، وكانوا خمسين ومئة رجل، وبعث بالمال والثياب والألطاف والهدايا، وحملَ وجوهُ الحلبيين إلى ابنِ لؤلؤٍ أصنافَ الأموال وما قدروا عليه على قَدْرِ أحوالهم، وأقام ابنُ لؤلؤٍ مالكًا للقلعة إلى سنة أربع وأربع مئة.

وفيها تُوفِّي

أحمد بن عبد الله (١)

ابن الخَضِر بن مسرور، أبو الحسين، السُّوسَنْجِرْدي، وُلد سنة خمس وعشرين وثلاث مئة، وكان ديِّنًا عفيفًا ثقةً، حسنَ الاعتقاد، شديدًا فِي السُّنة، اجتاز يومًا على قنطرة باب البصرة، فسمع رجلًا من أهل الكَرْخ يذكر الصحابة بسوء، فما عبر القنطرة


(١) تاريخ بغداد ٤/ ٢٣٧، والمنتظم ١٥/ ٨٥، وطبقات الحنابلة ٢/ ١٦٨.