للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تحت القلعة، وظنَّ ابنُ لؤلؤ أنَّه إنما فعل ذلك، وقد رتَّب خيلًا ورجالًا فحملوه، وقام صالحٌ فِي الليل وقد شدَّ قيوده ولَبِنَتَهُ (١) إلى ساقِه، وقصد ضيعةً يُقال لها: الياسرية، وكان له بها صديق يثِقُ به، فطرق بابَه ليلًا، فقالت زوجتُه: من أنت؟ فقال: صديق له. فقالت: هو فِي الرَّحى يطحن دقيقًا لقومٍ من العرب قد طرقوه ضيوفًا. قال: وأين هم؟ قالت: فِي البيدر، وهم بنو عم صالح بن مِرْداس. فجاء إليهم، وعرَّفهم نفسَه، فقاموا وفَرِحوا به، فقال: وأين أهلي؟ قالوا: بمرج دابق. وحملوه إلى أهله، فكتب [إلى] (٢) ابن لؤلؤ يخبره بما منَّ الله به عليه من النجاة، وأنَّه قاصدٌ حَرْبَه، واجتمعت إليه العرب، وسار إلى حلب، وخرج ابنُ لؤلؤ، واقتتلوا على باب تلِّ أعرن، فانهزم ابنُ لؤلؤ، وقُتِلَ جماعةٌ من رجاله، وأُخِذَ أسيرًا، وجيء به إلى صالح، فقيَّده بالقيد الَّذي قيَّده به واللَّبِنة، فضجَّ من ئِقَلِها، فقال صالح: هذا القيد واللَّبِنة التي طرحتَها فِي رجلي، وقد كُنْتُ اجتهدتُ عند هربي فِي كسرها، فلم أقدِرْ، فعاهدتُ اللهَ إنْ ظفِرتُ بكَ لأطرحنَّها فِي رجلك، وأراد اللهُ أن أُجازِيَكَ كيل الصاع بالصاع، وكان أبو الجيش وطارق أخوا ابن لؤلؤ قد هربا إلى حلب، فحصَّناها ومعهما جماعة من الغِلمان الحمدانية، وجاء صالحٌ فنزل على باب حلب، فراسل صالحٌ أبا نصر بن لؤلؤ فِي أسره يقول: قد وردت عليَّ كتبُ صاحب أنطاكية وابن المصيف يبذلان لي فِي تسليمِكَ الأموال والبلادَ، فاختَرْ أيَّ الجهتين تريد لأُنفِذَكَ إليها. فقال ابنُ لؤلؤ: فأين أنتَ عن القسم الثالث؟ قال: وما هو؟ قال: تعفو عني، تصطنعني، وتقترحُ ما تريد. فقال: أنا أفعل هذا على أن تُعطيَني نصفَ ما فِي قلعتِكَ، وتُطلِقَ جميعَ من فِي الاعتقال من بني كلاب، وتُقطعَني الثُّلثَ من نواحي حلب وبالِس ومنبج. فقال له: أمَّا الرّجال فأُطلِقُهم، وأمَّا المالُ فاطلُبْ مبلغًا مُعيَّنًا، فهو أرفَقُ بي. فقال: مئة ألف دينار مغربية. قال: وأزيدك خمس مئة الف درهم ومئتي ثوب. فقال: أخاف إذا عُدْتَ إلى قلعتك أن تغدِرَ بي. فقال: استوثِقْ مني بالأيمان. فاستوثَقَ منه، وأطلَقَه، فدخلَ البلدَ، وأحضرَ الشهودَ


(١) اللَّبِنَة: حديدة عريضة توضع على العبد إذا هرب اللسان (لبن).
(٢) ما بين حاصرتين زيادة يقتضيها السياق.