وبعثَ ابنُ لؤلؤ صالحَ بنَ مرداس إلى الرَّحبة فِي ألفي فارس من بني كلاب، وأخذها وكتب سَديد الدولة إلى الحاكم على الطيور يعرِّفُه ويستمِدُّه، وكتب إلى حمص وبها ابن نزال، فسار إليه فِي ألف فارسٍ وراجِل، وكتب إلى طرابلس فوافاه واليها فِي ثلاثة آلاف، واجتمع إليه وُلاةُ الحصون والعرب، فبينا هو فِي الاستعداد لدفع أبي الجيش إذ جاء الخبر بركوب الحاكم وعافيته، فأشاع ذلك، وخلع على الواردين بهذه البشارة، وجاءته كتب الحاكم بقصد ابن لؤلؤ وقتاله، فنزل كفرطاب يريد حلب، وهرب ابن لؤلؤ إلى حلب، وكتب ابن لؤلؤ إلى صالح بن مِرْداس يستدعيه من الرَّحْبة، وكتب ابنُ لؤلؤ إلى سَديد الدولة وإلى الحاكم يستعطفهما ويقول: ما قصد بلاد الحاكم، وإنما كان عسكره فِي أعماله. وقدم صالحٌ إلى حلب ومعه العرب، فرأى خوفَ ابن لؤلؤ وجَزَعه، فطمِعَ فيه، وسلَّط العربَ عليه، فاستطالوا وطلبوا الإقطاعات والخِلَعَ فأعطاهم، واستشار ابنُ لؤلؤ القُوَّادَ فِي قبض صالح، فأشار به بعضُهم، وتوقَّف البعضُ، واتَّفق أنَّ صالحًا دخل حلب فِي ألف فارس من العرب، فوقفوا على باب قصر ابنِ لؤلؤ، ودخل صالح إلى القصر، فأمر ابنُ لؤلؤ بابواب المدينة فغُلِّقَتْ، وأطلق الحمدانية فِي العرب فقتلوا منهم نحوًا من مئتي رجل، وأخذ منهم مئةً وعشرين، وصالحٌ فِي الجملة، فقيَّدهم ورماهم فِي المطامير، وقتلَ أمراءهم، ووقع فِي المحبوسين جُدَرِيٌّ فمات أكثرُهم، وسأله بنو كلاب فِي البعض فأطلقهم، وبقي صالحٌ معتقلًا، وكان قد تزوَّج امرأةً من بني عمِّه تُعرف ببنت جابر، فأرادها ابنُ لؤلؤ على نفسِها فامتنعت، وكان لها ثلاثةُ إخوةٍ فِي جملة المحبوسين، فراسلهم بتزويجه إيَّاها، فاحتجُّوا بعقد صالحٍ عليها، فقال: ذلك عقدٌ باطل. ووعدهم بالخلاص، فأجابوه وزوَّجوه، ونقلوها إليه ومعها أم صالح ونساءٌ من نساء المعتقلين، فلما دخلَ بها شُغِفَ بها، وأعطاها شيئًا كثيرًا، فشفَعَتْ إليه فِي أزواج نساء عشيرتها، فوعدها بإطلاقهم، وكان قد أفرد صالحًا فِي أزجٍ صغيرٍ فِي القلعة، ووكَّلَ به من يحفظه، فاغتنم غفلة الموكَّلين، وصعِدَ سورَ القلعة، ورمى بنفسه على تلٍّ تحتها فَسَلِم، وشاع الحديثُ فِي الليل، فأوقدوا الشموع، وفتحوا بابَ القلعة، وركبتِ الخيلُ خلفَه، فما وقعوا له على أثر، وكان قد اختبأ فِي سياج لبنان