للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحسينُ بنُ عليّ بن أبي طالب -

قد ذكرنا خروجَه من مكة إلى أرض العراق، ونذكر مقتلَه، وما يتعلَّقُ به: بينا الحسين يقصد مكانًا ينزل به وقد سار عن القادسية؛ إذا سوادٌ عظيم قد أقبل، فظنُّوه النَّخْل، وإذا هو هوادي الخيل (١) قد أقبلَتْ كالليل المظلم، وكان ابنُ زياد قد جهَّز إليه الحرّ بن (٢) يزيد التميمي؛ على مقدمته الحصين بن تميم الكوفي (٣) في أربعة آلاف، وقيل: في ألف فارس، كأنَّ راياتِهم أجنحةُ الطيور، وأسنَّتَهم اليعاسيب، فأمر الحسينُ بأبنيته فضُربت، وجاء القوم فوقفوا بإزائه، وكان مجيئُهم من القادسية، وكان الحُصين بن تميم على شرطة ابنِ زياد، ولم يزل الحرّ بن يزيد مُواقفًا للحسين حتى حضرت صلاة الظهر، فأمر الحسين الحجَّاج بن مسروق الجُعفيّ فأذَّن.

فلمَّا حضرت الإقامة خرج الحسين بن علي بن أبي طالب في إزار ورداء ونعلين، فحمد الله تعالى وأثنى عليه، ثم قال: أيُّها الناس، إنها معذرةٌ إلى الله تعالى وإليكم، إني لم آتكم حتى أتَتْني كُتُبكم، وقد قَدِمَتْ علي رُسُلُكم أنِ اقْدَمْ علينا، فإنه ليس لنا إمام، لعلَّ الله تعالى أن يجمعنا بك على الهدى والحقّ، فإن كنتُم على ذلك فقد جئتُكم، وإنْ كنتُم لقدومي كارهين رجعتُ إلى المكان الذي جئتُكم منه. فلم ينطقوا، وقالوا للمؤذِّن: أقم الصلاة. فقال الحسين للحُرِّ: أتريدُ أن تصليَ بأصحابك؟ قال الحرّ: لا، بل أنتَ تُصلِّي بأصحابك، ونحن نُصلِّي بصلاتك. فصلى بهم الحسينُ ، وعاد إلى فُسطاطه، وانصرف الحُرُّ إلى خيمته (٤).


= هو الذي يموت بمرض بطنه، والمرأة تموت بجُمع: التي تموت من الولادة سواء ألقَتْ ولدها أم لا. (من حواشي المسند).
(١) أي: مُتَقَدَّماتُها.
(٢) قوله: الحرّ بن، سقط من (خ)، وهو في (ب).
(٣) الذي في "تاريخ الطبري" ٥/ ٤٠١ أن ابن زياد بعث الحُصين بن تميم التميمي … وقدَّم الحرَّ بن يزيد بين يديه.
وينظر أيضًا "أنساب الأشراف" ٢/ ٤٧٢. وقد وقع في (ب) و (خ) (في هذا الموضع والموضع الآتي والكلام منهما): نُمير، بدل: تميم، وهو خطأ. فحُصين بن نُمير: آخر، يأتي ذكره، وقد قُتل مع ابن زياد. وأمَّا ابنُ تميم هذا؛ فهو ابنُ أسامة الجُشَيْشيّ، كان على شرطة ابن زياد بالعراق كما سيرد. ينظر "أنساب الأشراف" ١١/ ١٧٢، و"الأنساب" ٣/ ٢٥٩.
(٤) تاريخ الطبري ٥/ ٤٠١ - ٤٠٢. وينظر "أنساب الأشراف" ٢/ ٤٧٢.