الباب الثاني في خلافة أبي جعفر عبد الله بن محمد بن عليّ بن عبد الله بن العباس
وهو أبو الخلفاء العباسيين من لدنه وإلى هلمَّ جرّا، وأمه سلامةُ، بَرْبَرِية، وقيل: هي بنتُ بشير، مُزَنية.
وُلد بالشراة في اليوم الذي مات فيه الحجاج بنُ يوسف سنة أربع وتسعين في ذي الحجَّة، وفيه أعذر، وفيه ولي الخلافة، وفيه مات.
وقالت أمُّه سلامة: لما حملت به رأيتُ في منامي كأنَّ أسدًا خرج من فرجي، فأقعى وزأر، وضرب بذنبه الأرض، فأقبلتْ إليه الأُسد من كل جانب ومكان، فكلَّما انتهى إليه أسد سجد له.
صفته:
كان أسمر، طوالًا جدًّا، نحيفًا، خفيف العارضين، معرق الوجه بالسواد، يتطيب في كل شهر بألف مثقال طيب يخضب به رأسَه ولحيتَه.
وقيل: لم يكن يُغيِّر شيبَه إلا بالطِّيب، وكان له أبهة الملوك في زي النساك، يعرف الشرف في تواضعه، والعقل في مشيته، تقبله القلوب، وتتبعه العيون، لم يزل مشهورًا بطلب الفقه والآثار، وفيه يقول ابن هَرْمة (١): [من الطويل]
له لحظاتٌ في حِفافَيْ سريرِه … إذا كرَّها فيها عقاب ونائلُ
كريمٌ له وجهان وجهٌ لدى الرِّضا … أسيل ووجهٌ في الكريهة باسلُ
وأمُّ الذي أمَّنتَ آمنةُ الرَّدى … وأمُّ الذي أوعدتَ بالثُّكل ثاكلُ
وليس بمعطي العفوَ عن غير قدرةٍ … ويعفو إذا ما أمكَنَتْه المَقاتلُ
وكان والده محمد بنُ عليٍّ وجَّهه إلى البصرة يدعو إلى الرضا من آل محمد ﷺ، فلمَّا قدم البصرةَ كان يأتي عمرو بنَ عُبَيد ويتألفه، فلما عاد إلى الشَّراة سمعه أبوه يذكر