[قال علماء السِّيَر:] لمَّا سار المأمونُ من سَرَخْسَ إلى طُوس، نزل عند قبرِ أبيه، فأقام أيامًا، ثم إنَّ علي بن موسى أكل عِنَبًا فأكثر منه، فمات فَجأةً في آخر صفر، فصلَّى عليه المأمون، ودفنه عند قبرِ الرشيد، وكتب إلى الحسن بنِ سهل يخبره بموته، وكتب إلى بني العبَّاس والموالي وأهلِ بغدادَ يُعلمهم بموت عليِّ بن موسى، وأنهم إنَّما نَقَموا عليه بيعتَه له من بعده، ويسألهم الدخولَ في طاعته، فأجابوه بأقبحِ الأجوبة، فرحل إلى الرَّي، فلمَّا صار بها، أَسقط من خراجها عن أهلها ألفي ألفِ درهم.
وفيها غلبت السَّوداء على الحسن بنِ سهل، وتغيَّر عقله بالمرض، فكُبِّل بالحديد وقيِّد، وحُبس في بيتٍ بواسط، وكتب قوَّاده إلى المأمون يُخبرونه خبرَه، فكتب إليهم بأن يكونَ على عسكره دينارُ بن عبد الله، ويعلمهم أنَّه واصلٌ على إِثْر كتابه.
وفيها ضرب إبراهيمُ بن المهديِّ عيسى بنَ محمد بن [أبي](١) خالدٍ وحبسه. وسببُه: أنه كان يكاتب الحسنَ بن سهل وحُمَيدًا، وكانا بواسطَ على حرب إبراهيم، وكان إبراهيمُ يقول لعيسى: اُخرج فقاتل الحسنَ وحميدًا، فيتعلَّل عليه تارةً بالنَّفَقة في الجند، وتارةً بإدراك الغِلال.
ثم اتفق مع الحسن وحُميدٍ أن يُسلمَ إبراهيمَ إليهما يومَ الجمعة لانسلاخ شوال، وبلغ إبراهيمَ، فلمَّا كان يومُ الخميس، جاء عيسى إلى باب الجسر، وأمر بحفر الخنادقِ بباب الجسر وبابِ الشام، وعزم على أخذ إبراهيم، فأرسل إليه إبراهيم يطلبه، فامتنع، فأرسل إليه ثانيًا، فجاء، فعاتبه وحبسه وضربه، فثار إخوةُ عيسى ومواليه وشَغَبوا، وقطعوا الجسرَ بينهم وبين إبراهيم، وكان إبراهيمُ بقصر الرُّصافة، وكاتبوا حُميدًا ليقدَمَ عليهم، فجاء فنزلَ صَرْصَر، ثم اجتمع القوَّاد وخلعوا إبراهيمَ بن المهدي، فاختفى ليلةَ الأربعاء لثلاثَ عشرةَ بقيت من ذي الحِجَّة، ويقال: إنه صلَّى الجمعةَ
(١) ما بين حاصرتين من تاريخ الطبري ٨/ ٥٦٩، والمنتظم ١٠/ ١١٥.