للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل وفيها توفِّيت

الخَيزُران جاريةُ المهدي أمُّ الهادي والرشيد

وكانت جُرَشية، اشتراها المهديُّ فأَعتقها وتزوَّجها.

وسأل رجلٌ الخيزران حاجةً وبعث إليها بهديَّة، فبعثتْ إليه: إن كان ما بعثتَ به إليَّ من هديَّتك ثمنًا لرأي فيك فقد بخستَني القيمة، وإن كان استزادةً فقد استغششتَني (١) في المودَّة. ثم ردَّت عليه الهدية.

قال الصُّولي: وصاحبُ الهديةِ محمدُ بن سليمان، أهدى لها مئةَ وصيف، بيد كلِّ وصيفٍ جامٌ من ذهبٍ مملوءٌ مِسكًا.

وكانت الخَيزُران عاقلةً لبيبة، صالحةً متصدقة، وغلَّتها في كلِّ سنةٍ ستةُ آلافِ ألفٍ وستَّون ألفَ ألفِ درهم (٢)، فكانت تُنفقها في الصدقات وأبوابِ البِرّ، وكانت وفاتُها ليلةَ الجمعة لثلاثٍ بقين من جُمادى الآخرة، ومشى هارونُ في جنازتها وعليه طَيلسانٌ أزرقُ قد شدَّ به وسطَه، وأخذ بقائمة السريرِ حافيًا يخوض في الطين حتى أتى مقابرَ قريش، فغسل رِجليه وصلَّى عليها، ودخل قبرَها، ثم خرج فتمثَّل بقول متمِّم (٣): [من الطويل]

وكنَّا كنَدمانَي جَذيمةَ حِقبةً

الأبيات: ثم تصدَّق عنها بمالٍ عظيم، ولم يغيِّر على جواريها وحاشيتها شيئًا.

وقالت زينبُ بنت سليمانَ بنِ علي: حدَّثتني الخيزرانُ قالت: حدَّثني أميرُ المؤمنين المهديُّ، عن أبيه، عن جدِّه، عن ابن عباسٍ قال: قال رسولُ الله : "مَن اتَّقى اللهَ وقاه اللهُ كل شيء" (٤).


(١) في (خ): استغشيتني. والمثبت من المنتظم ٨/ ٣٤٧، وفي البداية والنهاية ١٣/ ٥٧١: فقد اتهمتني في المودة.
(٢) قال المسعودي في مروج الذهب ٦/ ٢٨٩: مئة ألف ألف وستون ألف ألف درهم، ونقل الذهبي في تاريخ الإسلام ٤/ ٦١٥ عن المسعودي أن مغلها مئتا ألف وستون ألفًا، وفي المنتظم ٨/ ٣٤٨: ألف ألف وستون ألف درهم، وفي البداية والنهاية ١٣/ ٥٧١: ألف ألف وستون ألفًا.
(٣) هو متمم بن نويرة، كما في المنتظم ٨/ ٣٤٨، والبداية والنهاية ١٣/ ٥٧١ - ٥٧٢، وعجزه:
من الدهر حتى قيل لن يتصدعا
(٤) أخرجه الخطيب في تاريخه ١٦/ ٦١٦.