للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

معها باليَمَن، ويبني ما شاءت من الحصون ففعل (١)، والأول أصح، وقد ذكره جدي في "التبصرة": فقال: لما عُمِل له الصرح من الزجاج ورأته وعلمت أنَّ مُلْك سليمان مِن أمر الله تعالى فقالت: ﴿رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي﴾ [النمل: ٤٤] بما سبق من الكفر، ثم تزوجها سليمان وردَّها إلى مُلكها، وكان يزورها في كلّ شهر مرة، ويقيم عندها ثلاثة أيام، وبقي مُلْكها إلى أن توفي سليمان فزال بموته (٢).

فصل في قصة قوم سبأ (٣)

قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ﴾ والمراد بسبأ القبيلة التي هي من أولاد سبأ. وقال علماء السِّير: كانت بِلْقيس مالكة أمرهم، وكانوا يقتتلون على الماء الذي يجري من الجبال إلى واديهم، فكانت تنهاهم فلا ينتهون، فاعتزلتهم بعيدةً عنهم في قصرٍ لها، فلما كثر الشرُّ بينهم أتوا إليها وقالوا: ترجعين إلى مُلككِ فأَبَتْ، فقالوا: ارجعي وإلا قتلناك، فقالت: إنكم لا تطيعوني فقالوا: بلى، نطيعك. فرجعت إليهم، وكان السيلُ يأتي إلى واديهم من مسيرة خمسة أيام، فبنت ما بين الجبلين مُسَنَّاةً، وحبست الماء خلف السدِّ، وبنت من دونه بركةً عظيمة جعلت فيها اثني عشر مخرجًا على عدد أنهارهم، فإذا جاء المطر اجتمع إليها ماءُ بلاد الشِّحْرِ وأودية اليَمن وسيولها فتقسِّمُهُ بينهم بالسويَّة، حتى أسلمت مع سليمان وكان من أمرها معه ما كان.

قال كعب الأحبار: كان السَّد فرسخًا في فرسخ، بناه لُقمان بن عاد الأكبر صاحب النسور.

ويحتمل أنَّ لُقمان بناه ودثر فجددته بِلْقيس.

وقال مقاتل: كان في البركة ثلاثون ثقبًا.

وقال مجاهد: إنما بنوا السد لئلَّا يذهب بأموالهم فيغرقها.


(١) انظر "عرائس المجالس" ص ٣٢٣.
(٢) "التبصرة" ١/ ٣٠٧.
(٣) انظر القصة في تفسير الطبري ١٦/ ٢٤٤ (هجر)، ومروج الذهب ٣/ ٣٦٥، وتفسير الثعلبي ٨/ ٨٢، وتفسير الماوردي ٤/ ٤٤٣، و"التبصرة" ١/ ٣١٥، و"زاد المسير" ٦/ ٤٤٢، و"تفسير ابن كثير" ٣/ ٦٩٥، و"الدر المنثور" ٥/ ٢٣١، و"البداية والنهاية" ٣/ ١٠٧.