للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في بيتك، فإن كان الفساد يكون على يد غيرك فعصيتَني.

فقال له: يا بنيّ، أما قولُك: لو خرجتَ من المدينة يوم أُحيط بعثمان، فوالله لقد أُحيط بنا كما أُحيط به، وأما قولُك: لا تقبلِ البيعةَ حتى تأتيك وُفودُ العرب، فإن الأمر أمرُ أهل المدينة، وهم الذين يُولُّون، وكرهتُ أن يَضيعَ هذا الأمر، وأُكرهتُ عليه.

وأما قولُك حين خرج طلحة والزبير؛ فإن ذلك وَهْنًا على الإسلام، ووالله مازلتُ مقهورًا منذ وليت، لا أصل إلى شيءٍ مما يَنبغي.

وأما قولك إنني أجلسُ في بيتي، فكيف لي بما قد لَزِمَني؟ أتريدُني أن أكون كالضَّبُع اللدم، التي يُحاط بها ويُقال: دَبابِ دَبابِ ليست ها هنا، حتى يثقب عرقوبها ثم تُخْرَج، وإذا لم أنظُر في هذا الأمر فمَن يَنظُر فيه؟! فكُفَّ عني يا بُني.

ومعنى اللّدْم: أن صائدَ الضَّبُع يضرب الأرضَ بشيءٍ، فتخرج الضبعُ فتُصاد، وقال الجوهري: اللَّدْمُ: صوتُ الحَجَر والشيء يَقع على الأرض، وليس بالصوت الشديد، قال: ودَبابِ: ضربٌ من الصوت، ومنه الدَّبْدَبَةُ (١).

وقال سيف: حدثني سعيد بن عبد الله، عن ابن أبي مليكة قال: لما نزل أمير المؤمنين الرَّبَذَةَ قيل له: لا تَخَفْ فإن البصرة والكوفة في يديك، فقال: ويحكم، إني ابتُليتُ بثلاثةٍ ما رُمي عليهم أحد؛ ابتُليتُ بفتى العرب وأجودِهم طلحة، وبفارس العرب وأحرَبهم الزبير، وبأم المؤمنين أطوَعِ الناس في الناس.

[ذكر ما جرى لطلحة والزبير وعائشة في طريق البصرة]

قد ذكرنا خروجَهم من مكة، ووصولَهم إلى ذات عِرْق، ولما انفصلوا عن ذات عِرق لقيهم العُرَني.

فحكى الطبري عن صفوان بن قبيصة قال: حدثنا العُرَنيّ صاحب الجمَل -رجل من عُرَينة- قال: بينما أسير على جَملي إذ عرض لي راكب فقال: يا صاحبَ الجمل، أتبيعُ جملَك؟ قلتُ: نعم، قال: بكم؟ قلت: بألف درهم، قال: أمجنون أنت؟ جملٌ يُباع بألفِ درهم؟ قلت: نعم جملي هذا، قال: ولمَ؟ قلت: ما طلبتُ عليه أحدًا إلا أدركتُه،


(١) الصحاح: (لدم، دبب).