للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان بالمِزَّة خطيب يقال له: العَلَم، زوَّر على صلاح الدين خطًّا بزيادةِ جامكيته ووقف عليه فَرُّخْشاه، فعلم باطن الحال، فهمَّ بالإيقاعِ به، فهرب إلى القاهرة، واستجار بالسُّلْطان، فأجاره، وقال: ما أخيب قَصْدَك. وكَتَبَ له توقيعًا بما طلب.

وحج بالنَّاس من العراق طاشْتِكِين.

وفيها توفي

الملك الصَّالح إسماعيل (١)

ابن نور الدين محمود بن زَنْكي، صاحبُ حلب، كان مرضه بالقُوْلَنج، بدأ به في تاسع رجب، [وذكر ابن الأثير في "تاريخه" أنه] (٢) لما اشتدَّ به وضَعُفَ وَصَفَ له الأطباء قليلَ خَمْرٍ، فقال: لا أفعل حتى أسألَ الفقهاء، فسأل الشَّافعية فأفتوه بالجواز، وسأل العلاء الكاساني فأفتاه أيضًا، فلم يفعل، وقال: إن كان الله قد قرَّب أجلي، أيؤخره شُرْبُ الخمر؟ قال: لا. قال: فوالله لا لقيت الله وقد فَعَلْتُ ما حرَّم عليَّ. فمات، ولم يشربه (٣).

[قلت: أخطأ الكاساني، فإن الخمر لا يباح عند أبي حنيفة وجميع أصحابنا للتداوي، وكذا عند مالك وأحمد، وعند الشافعي يجوز للضرورة، وعندنا أن الله تعالى لم يجعل شفاء الأمة فيما حرَّمه عليها] (٢).

ولما اشتدَّ به الألم أحضرَ الأُمراء واستحلفهم لعِزِّ الدين صاحب المَوْصل، فقيل له: لو أَوْصيتَ إلى ابنِ عَمِّك عماد الدين صاحب سِنْجار؛ فإنه صعلوكٌ ليس له غير سنجار، وهو تربيةُ أبيك، وزَوْج أختك، وشجاعٌ كريم، وعز الدين له من الفرات إلى هَمَذَان، فقال له: هذا لم يخفَ عني، ولكن قد علمتم استيلاءَ صلاحِ الدِّين على الشَّام ومِصْر واليمن، وعماد الدين لا يثبتُ له، وعِزُّ الدين له من العساكر والأموال، فهو


(١) سلفت أخباره في هذا الكتاب على السنين، وله ترجمة في "الروضتين"٣/ ٧٥ - ٨٠، و"سير أعلام النبلاء": ٢١/ ١١٠ - ١١٢.
(٢) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٣) انظر "الباهر": ١٨١ - ١٨٢.