للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أقدرُ على حِفْظ حلب، وأثبت من عماد الدين، ومتى ذهبت حلب ذهب الجميع. فاستحسنوا قوله. وتوفي في الخامس والعشرين من رجب، ولم يبلغ عشرين سنة، وكانت أيامه ثماني سنين وشهورًا، وأقام الحلبيون النوح عليه والمآتم، وفرشوا الرَّماد في الأسواق، وأقاموا مُدَّة على ذلك [وجرى عليهم ما لم يجر على أحد] (١)؛ لأنه كان صالحًا كما سُمِّي، عادلًا منصفًا، حَسَنَ السِّيرة، سلك أسلوب أبيه.

ذِكْرُ ما جرى بعد وفاته:

كان شاذبخت الخادم والي القلعة، فكَتَبَ إلى عز الدين مسعود يخبره، وكان تقيُّ الدِّين عمر بمَنْبج، فسار عز الدين عَجِلًا، فقطعَ الفرات، فانهزمَ تقيُّ الدين إلى حماة، فأغلق أهلُها في وجهه الأبواب من جَوْره، وصاحوا: عِزّ الدين أتابك يا منصور، فلاطفهم.

وأما عِزُّ الدين فصَعِدَ قلعة حلب، واستولى على أموالها وذخائرها، وأحسن إلى الأمراء، فقالوا له: سِرْ بنا إلى دمشق وغيرها لنأخذها. وكان صلاح الدين بمصر، فقال: بيننا عهودٌ وأيمان ومواثيق لا يجوز العدولُ عنها. وأقام بحلب مدَّة، وعلم أنه لا طاقةَ له على حِفْظ المَوْصل والجزيرة وحلب، وأنَّ شوكة صلاح الدين قوية، فسار إلى الرَّقَّة، وراسل أخاه عماد الدين في تسليم سنجار وتعويضه عنها بحلب؛ لقُرْب سنجار من المَوْصل، وقيل: إنَّ عماد الدين سأله ذلك، وقال: إن لم تفعل أعطيتُ سنجار لصلاح الدِّين، فأجابه، وسلَّم إليه سنجار، وسار عماد الدين إلى حلب، وكان عز الدين لمَّا حصل في حلب يئسَ صلاحُ الدين منها (٢).

وقال ابن شدَّاد: لما أوصى الملك الصالح لعز الدين بحلب سار مجدًا بعساكره خوفًا من السُّلْطان، فكان أول قادم إليها من أمرائه مظفر الدين بن زين الدين في شعبان، ووصل عِز الدين في آخر الشهر، وتزوج [عز الدين أم] (٣) الملك الصَّالح في شوال، وأقام بقلعة حلب إلى سادس عشره، وعلم أنه لا يمكنه حفظ الشام والموصل


(١) ما بين حاصرتين من (م) و (ش).
(٢) انظر "الباهر": ١٨٢ - ١٨٣، و"الكامل": ١١/ ٤٧٣، ٤٩٦ - ٤٩٧.
(٣) في (ح): وتزوج امرأة الملك الصالح، والمثبت ما بين حاصرتين من (م) و (ش).