للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَظْعون، مصعب بن عمير، أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة، ولد له بالحبشة محمد بن أبي حذيفة من امرأته سهلة بنت سُهيل بن عمرو، أبو سَبْرة بن أبي رُهْم. فأقاموا في الحبشة شهر شعبان ورمضان، ورجعوا في شوال.

[ذكر سبب رجوعهم]

قال المطلب بن عبد الله: رأى رسول الله من قومه كفافة، فجلس خاليًا وتمنى أن لا يُنَزَّلَ عليه شيء ينفرهم عنه، وقارب قومه ودنا منهم، ودنوا منه، فجلس يومًا في بعض أنديتهم، فنزلت سورة النجم، فقرأها حتَّى بلغ ﴿أَفَرَأَيتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى﴾ [النجم: ١٩، ٢٠]؛ ألقى الشيطان على لسانه ما كان يحدِّث به نفسه ويتمناه من مقاربة أهله وقومه، لأنه كان قد شق عليه مباعدتهم إياه، فتمنى أن ينزل عليه ما يقارب بينه وبينهم حرصًا منه على إيمانهم، فقال: تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى. فلما سمعت قريش ذلك فَرِحوا، ومضى في قراءة السورة كلها، وسجد وسجد معه المسلمون والمشركون، فلم يبق في المسجد إلا من سجد لسجوده إلا الوليد بن المغيرة وأبو أُحَيْحةَ سعيد بن العاص فإنهما أخذا حَفْنَةً من الحصباء فرفعاها إلى جبينهما وسجدا عليه، وكانا شيخين كبيرين لا يستطيعان السجود، وتفرقت قريش، وقد سرهم ذلك، وقالوا: ذكر محمد آلهتنا بخير، فأحسن الثناء عليها، وقد علمنا أن الله يحيي ويميت، ويخلق ويرزق، ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده، فإذ قد جعل لها محمد نصيبًا، فنحن معه. فلما أمسى رسول الله ، جاءه جبريل فلما بلغ إلى قوله: تلك الغرانيق العلى، قال: ما أتيتك بهاتين الكلمتين - وفي قول ابن إسحاق: قال: لقد قلت عن الله ما لم أقل، وتلوت عن الله ما لم أتل به عن الله - فحزن النبي حزنًا شديدًا، وخاف من الله خوفًا عظيمًا، وندم على ما جرى. فأنزل الله تعالى في سورة الحج: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ﴾ [الحج: ٥٢] الآيات (١)، ولما رجع النبي عن ذلك بعد أن وقع ذكر الغرانيق في فم كل كافر،


(١) أخرجه ابن سعد في "الطبقات" ١/ ١٧٤.
وأخرجه الطبراني في "الكبير" (١٢٤٥٠) عن ابن عباس، وأخرجه -أيضًا- الطبراني (٨٣١٦) عن عروة =