للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على الكفر، وإن تغفر لهم بتوبتهم ﴿فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ العزيز في سُلطانك الحكيم في قضائك، فلا ينبغي لأحد أن يعترض عليه. والرقيب: الحفيظ، والشهيد الشاهد.

واختلفوا في قوله تعالى: ﴿قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ﴾ [المائدة: ١١٩] هل هو خاص لعيسى ابن مريم أم عام؟ على قولين:

أحدهما: أنَّه خاص له، أي: نفع عيسى صدقُه.

والثاني: أنَّه على العموم في حق كلّ صادق. وقيل: معناه ينفع المؤمنين إيمانهم في الدنيا وصدقهم في الآخرة.

وقال قتادة: خطيبان يوم القيامة عيسى التي مريم، والشيطان، فأما عيسى فكان صادقًا في الحياة وبعد الممات فنفعه صدقه، والشيطان صدق في الآخرة حين أخبر الله عنه أنه قال: ﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ﴾ (١) [إبراهيم: ٢٢] الآية، وكان كاذبًا في الدُّنيا فما نفعه صدقه في الآخرة.

وقوله: ﴿هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ﴾ يدل على أنّ السؤال إنَّما يكون في القيامة، لأنَّ اليوم المشار إليه ليس فيه عمل، وإنَّما فيه الجزاء والثواب.

ومنها: أنه رأى رجلًا يسرق، قال أحمد بن حنبل: حدَّثنا عبد الرزاق بإسناده عن أبي هريرة عن النبي قال: "رَأَى عيسى ابنُ مَرْيَمَ رَجلًا يَسرِقُ فقالَ لَه: أَسَرقتَ؟ قال: كلا، والله الَّذي لا إِله إلَّا هو، فقال عيسى: آمنتُ بالله، وكذَّبتُ عَيني، أَوْ نَفسِي". أخرجاه في "الصحيحين" (٢).

[فصل في رفع عيسى ]

قال الله تعالى: ﴿إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾ [آل عمران: ٥٥] الآية.

قال علماء السِّير: سبب رفع عيسى أنَّ اليهود حسدوه على مَيْل الناس إليه، وظهور


(١) تمام الآية هو: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [إبراهيم: ٢٢].
(٢) أخرجه أحمد في "مسنده" (٨١٥٤)، والبخاري (٣٤٤٤)، ومسلم (٢٣٦٨).