للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منهم، وعبر به إلى داره، فلمَّا كان في الليل نقل ما بقي في داره إلى الكَرْخ، وعبرَ هو وحُرَمُه، فخرج أهل الكَرْخ والمرتضى فقبَّلوا الأرضَ بين يديه، وأنزله المرتضى في داره مع حُرَمِهَ، وكانت بدرب جميل، ونزل الوزير أبو القاسم في دارٍ مقابلها، ثم اجتمع الغلمان من الغد، وعقدوا الجسور، وعزموا على قصد الكَرْخ ليأخذوه منها، ثم اختلفوا، فقال الخائفون مِنْ عُقبى ما جَنَوا: هذا الملكُ قد أخذ أموالنا، وأجاعنا، وما ينفع فيه عدلٌ، ولا يُصلِحُه قبيحٌ ولا جميل، وقد كان منَّا إليه ما لا تصفو له معنا نيَّةٌ. وقال آخرون: فما الَّذي نفعل؟ فهل ها هنا مَنْ نجعله عوضًا عنه؟ وما بقي من بني بُوَيه إلَّا هو وأبو كاليجار، وقد اصطلحا! ومضى إلى فارس، فاتَّفقوا على أن يكتبوا إليه ورقةً يقولون: نحن عبيدك، وقد ضيَّقْتَ علينا مرةً بعد مرةٍ، وتَعِدُنا ولا نَجِدُ له أثرًا، ولك [ممالكُ كثيرةٌ، فاطرَحْ كَلَّك (١) عليهم مُدَّة، ووفِّرْ علينا هذه الصُّبابة (٢) من المادّة، وانحدِرْ إلى واسط فاجمَعْ لنا ذلك] (٣). فأجاب بأن هذه أيام صومٍ وحَرٍّ، وإذا انقضَتْ خرجنا، فقالوا: هذه مدافعةٌ، وما نتركه إلا ينحدر اليوم أو غدًا، وهو يماطلهم، وبعث إلى أصاغرهم فاستمالهم، وعلموا، فباكروا دارَ المرتضى، ودخلوا فقتلوا الأرضَ بين يديه، وسألوه الرجوعَ إلى داره، فرجع، وارتفعَتْ منزلةُ المرتضى عنده بما فعل معه.

قال المصنف : قبَّح اللهُ همَّة هذا الملك.

ولم يحجَّ أحدٌ من العراق.

وفيها تُوفِّي

أحمد بن الحسين بن أحمد (٤)

أبو الحسين، ابن السمَّاك، الواعظ، البغدادي، ولد سنة ثلاث وثلاثين وثلاث مئة، وكان يعظ بجامع المنصور والمهدي، ويتكلَّم على طريقة الصوفية.


(١) الكَلُّ: الَّذي يكون عبئًا على غيره. العجم الوسيط (كلل).
(٢) الصُّبابة: البقية القليلة من الماء ونحوه. المعجم الوسيط (صبب).
(٣) هذه الزيادة من (ف) وحدها.
(٤) تاريخ بغداد ٤/ ١١٠، والمنتظم ١٥/ ٢٣٧ - ٢٣٨.