للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحاجب علي المَوْصلي

كان خصَّاصًا أول [زمانه] (١)، ثم خدم الطُّغْدكيني بدمشق، وكان فقيرًا وأخوه عثمان، قال الزكي النَّحَّاس: كان الطغدكيني يقعد عندي على الدُّكَّان بسوق النَّحَّاسين بدمشق، والحاجب علي يحمل سرموزته وهو قائم، وكان أخوه عثمان يسوق على الدوابِّ من قاسيون إلى دمشق يبيع الحجارة، فكنتُ أقول له: بكم عملت اليوم؟ فيقول: بدرهمين، فتقلَّبَتْ به الأحوال حتى صار الحاجب نائب الملك الأشرف بالشرق وخِلاط، وكان شَهْمًا مِقْدامًا، جَوَادًا، بنى الخانات، ووقف عليها الأوقاف، وكان عادلًا، منصفًا، لا يحابي أحدًا، فكان الأُمراء وأرباب الدولة يخافونه ويتقونه، وكان مهيبًا، وساق خلف الخوارزمي، وأخذ البلاد منه، ونهب عياله، [وقد ذكرناه] (١).

وكان سبب هلاكه أَنَّه لما جاء الأشرف إلى دمشق، واتَّفق مع أخيه الكامل على المقايضة بالشَّرْق بلغ الحاجب، فكتَبَ إلى الأشرف يقول له: الله الله، لا تفعل، وليس هذا مصلحة لوجوه: أحدها: لأَنَّك إنما قطعت الفرات لتنجد ابن أخيك النَّاصر، فإذا أخذتَ منه دمشق، فأيُّ حُرْمة تبقى لك عند الملوك؟ فإن كان قَصْدُك الماء والبساتين والفرجة، فهذه سنجار أصحُّ من دمشق وأطيب، وهي وسط البلاد، والثاني: أَنَّ الخوارزمي معاهد الملك المعظم، وما يتخلَّى عن ولده، وهو قريب منا، ومتى أخذ خِلاط أخذ جميع البلاد. والثالث: أَنَّك اليوم ملك الشَّرْق والشَّام، والخليفة والمواصلة والروم يخدمونك، تصبح مثل الأمراء، تصير تبعًا، وحكمك اليوم على عشرة آلاف فارس، ودمشق ما تقيم بأكثر من أربع مئة فارس. وذكر كلامًا في هذا المعنى، فوقع الكتاب في يد الكامل، فقال: ما كفى الخَصَّاص ما فعل، وأَخْذه لأهلِ الخوارزمي، وفتح علينا بابًا لا نقدر على سدِّه حتى يكتب مثل هذا الكتاب! ثم أمر كاتبه أن يكتب كتابًا إلى خِلاط إلى عِزِّ الدين أيبك مملوك الأشرف بقَتْل الحاجب، وكان أيبك عدوَّه، وبعث بالكتاب إلى الأشرف وقال: عَلِّمْ عليه. فعلَّم عليه، وقال بعد أيام: مسكين الحاجب عليّ كَتَبَ الكامل كتابًا لهلاكه، وعلَّمْتُ عليه.


(١) ما بين حاصرتين من (ش).