للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسجد حتى أكلَ الترابُ جبهتَه، فلما مات رأى رجلٌ في منامه وكأن موضعَ سجوده كهيئة الكوكب الدُّرِّيّ، فقال: ما هذا؟ قال: بُدِّلْتُ به ما ترى. قال: فكيف منزلك؟ قال: خير منزلة، أنا في دار لا يظعنُ عنها أهلُها ولا يموتون.

وكان أثرُ العبادة بيِّن في وجهه وبين عينيه.

أسند عن أبي بكر، وعمر، وعليّ، وابن مسعود، رضوان الله عليهم، وغيرِهم (١).

[السنة الخامسة والخمسون]

وفيها: عزلَ [معاويةُ] عبدَ الله (٢) بن عَمرو بن غَيلان عن البصرة، وولَّاها عُبيدَ الله بنَ زياد.

وسببُه أن عبدَ الله بن عَمرو خطبَ على منبر البصرة، فحصبَه رجلٌ من بني ضَبَّة يقال له: جُبير بن الضَّحَّاك، فأمرَ بقطع يدِه. فقُطعتْ يدُه، فقال بنو ضَبَّة: إنَّ صاحبَنا جنى على نفسه وقد عُوقب على جنايته، ولا نأمنُ أن يبلغَ خبرُه إلى معاوية، فيأتيَ منه أمرٌ يتضمَّن العقوبة العامَّة والخاصَّة، فاكْتُبْ لنا إليه كتابًا بأنه قُطع في شُبهة، ولو لم يثبت عليه. فكتبَ لهم، وأخطأ في كتابته (٣).

فساروا إلى معاوية، ودفعوا إليه الكتاب وقالوا: قَطَعَه ظُلمًا، ونُريد القَوَدَ منه. فقال معاوية: أمَّا القَوَدُ من عمَالي فلا سبيل لكم عليه، وإنْ أحببتُم، فالدِّيَة في بيت المال.

فوداه، ثم قال: قد عزلتُه عنكم، فمن تختارون؟ قالوا: مَنْ تَخْتار. وكان يعلم ميلَهم إلى عبد الله بن عامر، فقال: ما تقولون فيه، فقد علمتُم شرفَه وعفافَه وطهارتَه؟ فقالوا: أنتَ أعلم. فولَّى عليهم عُبيدَ الله بنَ زياد، واستخلفَ ابنُ زياد على خُراسان أسلمَ بنَ زُرْعة (٤)، واستقضى ابنُ زياد على البصرة زُرارةَ بنَ أَوْفى، ثم عزلَه وولَّى ابنَ أُذَيْنَة.


(١) في (ب): أجمعين، بدل: غيرهم. وتنظر ترجمة مرَّة بن شَرا حيل في "طبقات" ابن سعد ٨/ ٢٣٦، و"المنتظم" ٥/ ٢٧٦.
(٢) في (ب) و (خ): عبد الرحمن، وهو خطأ، والمثبت من (م)، وما بين حاصرتين منها.
(٣) في (خ): كتابه، والمثبت من (ب).
(٤) في النسختين (ب) و (خ): عُبيد الله بن أسلم بن زُرعة، وهو خطأ. والمثبت من "تاريخ" الطبري ٥/ ٣٠٠، و"المنتظم" ٥/ ٢٧٨.