للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السنة السادسة والسبعون (١)

قال هشام: وفيها خرج صالح بن مُسَرِّح التميمي بالجزيرة وأرض الموصل، وكان رجلًا مُتعبّدًا مُتَزَهّدًا، يُزهّد أصحابَه في الدُّنيا، ويُرَغِّبهم في الآخرة، ويُفَقِّههم في مذهب الخوارج، ويقول: إن فراقَ الفاسقين حقٌّ على المؤمنين، ويذكر أفعالًا منسوبة إلى عثمان رضوان الله عليه، واستئثارَه بالأموال، وتقريبَ بني أمية، ورفعَهم على رؤوس الناس، وقصّة الحكَمين ونحو ذلك.

ومن جملة كلامه: أوصيكم بتقوى الله، والزّهد في الدنيا، والرغبة في الآخرة، وكثرة ذكر الموت؛ فإن الزهد في الدنيا يُرَغّب العبد فيما عند الله، ويُفرغ بدنه لطاعته، وإن كثرة ذكر الموت تُخيف العبدَ من ربه حتى يَنقاد إليه، ويحب المؤمنين، ويبغض الفاسقين المُحِلّين، واعلموا أن الله تعالى بعث محمدًا بالحق، فقام يُعلّم الناس الكتاب والحكمة، وَيسُنّ لهم السنن، حتى قبضه الله إليه.

ثم ولي الأمرَ بعدَه صِدِّيقُه، فاقتدى بسيرته، واهتدى بهَديه، واستنَّ بسُنته، حتى لحق بالله.

ثم استَخلف عمر، فعمل بكتاب الله، وأحيا السُّنن، وأمات البِدع، ولم تأخذه في الله لومةُ لائم حتى لحق بربه.

وقام عثمان فاستأثر بالفيء، وعَطّل الحدود، وجار في الأحكام، واستذَلّ المؤمنين، ولم يعاقب المجرمين، فسار المسلمون إليه فقتلوه.

ثم ولي أمر الأمة علي بن أبي طالب، فلم يَنشَب أن حَكّم في أمر الله الرجال، وشكّ في [أهل] الضّلال، وداهن في دين الله، ونحن منه ومن أشياعه بُرآء، فاستعِدّوا لجهاد هذه الأحزاب المُتَحزِّبة، وأئمة الضّلال الظَّلَمة، والخروجِ من دار الفناء إلى دار البقاء، واللحاقِ بإخواننا المؤمنين المُوفِين بعهودهم؛ الذين باعوا الدنيا بالآخرة، وأنفقوا أموالهم


(١) السنوات (٧٦ - ١٠٠) من تحقيق عمار.