للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[السنة الثامنة والستون وثلاث مئة]

فيها في المحرَّم سار عضد الدولة خلف أبي تَغْلب بنفسه، فأجْفَلَ هاربًا من بين يديه، وفارقه كثيرٌ من رجاله وقوَّاده، وعاد عضد الدولة إلى الموصل في صفر، وبعث وراءه الجُند، فأتى بَدْليس، فتبعوه، فدخل الروم، وكان عضد الدولة قد بعث إليه قائدًا يقال له: طغان، فلحقه في مَضيقٍ من مَضائق الرُّوم، فعطف عليه أبو تَغْلِب، فضربه على رأسه ضَربةً بقي أثرُها إلى أن تُوفّي، وأسر جماعةً من أعيان قُوَّاد عضد الدولة وخواصّه، فضرب رقابَهم بين يديه صَبْرًا، وعاد طغان إلى الموصل ومَن سَلِم منهم، ووصل أبو تغلب إلى حِصن زياد، وجاءت عساكر الرُّوم، فعاد أبو تغلب إلى آمِد، وأقام [بها] إلى أن فُتحت مَيَّافارِقين (١).

ذكر فتحها:

كان أبو الوفاء قد نازلها فلم يَقدر عليها، فمضى إلى أَرْزَن ففتحها، وعاد إلى مَيَّافارِقين وبها هزارمرد، فحاصرها بعد أن فتح حصون ديار ربيعة كلها، ولما عاد إلى ميافارقين أقام ثلاثة أشهر يضربها بالمَجانيق، ونزل البَليخ وهو صابر، ومات هزارمرد، فكتبوا إلى أبي تغلب يخبرونه، فأمر أن يُنصَبَ مكانه مؤنس غلام الحَمْدانية، وكان في البلد قاضٍ يقال له: أبو الحسن بن المبارك بن ميمون (٢)، فاستولى على تدبير مؤنس، وحَفظ البلد وحَصَّنه، وقاتل قتالًا شديدًا، فبعث إليه أبو الوفاء يَستميله ويَعِده، فلم يُجِبْه.

وكان في البلد شيخ يقال له: أبو الحسين أَحْمد بن عبيد الله الفارقي، فبعث إليه أبو الوفاء فاستماله، فأجابه، واجتذَب أهل البلد إليه، وعلم القاضي، فأراد الفَتْكَ به، فحماه أهلُ البلد.

فلما كان لليلتين خلتا من جُمادى الأولى ثار الفارقي ومعه أهل البلد، فلجأ مؤنس ومَن معه إلى منازلهم، وقبض الفارِقيّ على القاضي ومَن يَلوذُ به، وفيهم رجل يقال له:


(١) الكامل ٨/ ٦٩٣ وما بين معكوفين منه.
(٢) في الأعلاق الخطيرة ١/ ٣٢٢: أبو الحسين محمَّد بن عليّ بن المبارك.