ابن الطَّبَرِيّ، فأرسل مؤنس إلى الفارقيّ يَطلب الأمان، فبعث إلى أبي الوفاء فأمّنه، وفتح النَّار في الباب، ودخل جيشُ أبي الوَفاء، وبعث أبو الوفاء بالقاضي وابن الطَّبري إلى عضد الدولة وكان بالموصل فصلبهما.
وأما أبو تغلب فلما علم بفتوح مَيَّافارِقين، وأن أَبا الوفاء قد مَلَكها، علم أنَّه سيسير إليه، ولا يقدر على مُقاومته، فأنفَذ أخَواته مستأمناتٍ إلى أبي الوفاء سوى جَميلة، وتبيَّن أصحابُه خَوفَه وخَوَره، فالتاثوا عليه، وهرب إلى ناحية الرَّحْبَة ومعه أختُه جَميلة وحُرَمه، وتخلَّف عنه مَن كان معه من الأتراك والكُتَّاب، وقصدوا أَبا الوفاء.
وجاء أبو الوفاء إلى آمِد، ففتحوا له أبوابَها، واستولى على ديار بَكْرٍ بأسرها، وعاد إلى الموصل ومعه الأسارى والمستأمِنَة بعد أن رتَّب في الحُصون مَن يَحفظها.
وأما أبو تغلب فإنَّه بعث أخاه أَبا عبد الله الحسين من طريق الرَّحبة إلى عضد الدولة يسأله العَفو، والاستخدام على ما كان عليه، وأقام بالرحبة ينتظر الجواب، فاجتمع الحسين بعضد الدولة بالموصل، وعَرَّفه رسالةَ أخيه، فقال: أنا أعفو عنه، وأردُّ عليه بلادَه؛ على أنَّه يَصير إلى الحَضْرة، ويدخلَ في الطاعة، فعلم أبو عبد الله أن أخاه لا يُجيب إلى ذلك، فوطَّد له عند عضد الدولة حالًا أنَّه يعود إلى خِدمته إن لم يُجب أخوه إلى ذلك.
ومضى إلى أبي تغلب، وأعاد عليه الرسالة فلم يُجِب، وسار إلى الشَّام لاجئًا إلى أصحاب مصر، وسار معه أخوه أبو عبد الله، ثم فارقه من أَرَك قبل تَدْمُر بمرحلة، وسار يريد الفرات، فأرسل خلفه جماعة، فلم يظفروا به، ووصل إلى عضد الدولة سالمًا في شهر رمضان، فأكرمه وأحسن إليه.
وبعث عضد الدولة إلى الرَّقَّة والرَّحْبَة وجميعَ حصون الجزيرة مَن تسلَّمها، وصارت في يده، وبعث إلى قِلاع أبي تغلب التي فيها أموالُه وذَخائرُه وجواهرُه وضياعاتُه وحُليُّ نِسائه وغير ذلك، وهذه القِلاعُ في جانب دجلة من الشرق على طريق الجَزيرة، وهي قلعة أَرْدُمُشْت، وقلعة الشّعباني، وقلعة هَرور، وقلعة ملاص وغيرها.
وكانت قلعة أردمشت مملوءة من أصناف الثياب والجواهر والحلي والمتاع والفُرُش وغيرها، فسَيَّر إليها عضد الدولة مَن افتتحها واحتوى على جميع ما فيها، وخرج بنفسه فأشرف عليها، ورتَّب فيها الوُلاةَ والمُتَصرِّفين وفي جميع أعمال أبي تغلب.