وكان محمَّد بن ناصر الدولة مُعتقلًا في أرْدُمُشْت مُقيَّدًا وله ثماني سنين، فأطلقه عضد الدولة، وأحسن إليه، وردَّ عليه ضِياعه، وهذا محمَّد كُنيته أبو الفوارس هو الذي اتَّهمه أبو تغلب لما سار لقتال حَمدان بالرَّحْبة.
قال المصنف ﵀: وقد ذكر قصّته القاضي التَّنوخيّ فقال: كان أبو تغلب قد استوحش من أخيه محمَّد، فقبض عليه، وقَيَّده، وحَبسه في قلعة أردمشت، وجعله في مَطمورة، ووَكَّل بحفظ طعامه وشرابه عجوزًا كان يَثقُ بها، وكانت ضابطة يقال لها: نازبانو، وأمرها أن لا يَصل إليه أحد، وأن تُخفيَ خبَرَه ومَوضعَه، ففعلت، وأقامت على ذلكَ ثماني سنين.
ثم إن أَبا تغلب انحدر إلى بغداد مُعاونًا لعز الدولة على عضد الدولة، فكانت بينهم الوَقعة العظيمة بقصر الجَصّ؛ قُتل فيها بختيار، وانهزم أبو تغلب إلى الموصل، فخاف من تخليص أخيه محمَّد، فكتب إلى والي القلعة واسمُه طاشتم أن يُمكّن صالح بن بانويه الكردي من قتْلِ محمَّد، وكان صالح مُشاركًا لطاشتم في حفظ القلعة، وكتب إلى صالح بقتله، فجاء ليدخل عليه فقالت العجوز: لا سمع ولا طاعة، ولا أُمَكّنك إلَّا بكتاب أبي تغلب فإنَّه سلَّمه إلي، وبيني وبينه علامة.
واتَّفق نزولُ عضدِ الدولة على الموصل، وهرب أبو تغلب من بين يديه، وبثَّ قوَّادَه في بلد الموصل، فجاء بعضُ قُوَّادِه فنازل تلك القلعة وفتحها، وبلغه خبر محمَّد، فأرسل إليه مَن يُحضره عنده، فبكى وأخذ يَتضرَّع يظنُّ أنَّه يُقتَل، فقالوا له: لا بأس عليك فأخوك قد هرب، ومَلَك عضد الدولة البلاد، فسجد شكرًا لله تعالى، وأرادوا أخذ حديده فقال: لا أفعل حتَّى يَراني الملك، فحُمِل إلى الموصل، وأُدخل على عَضُد الدولة في تلك الحال، فرَقَّ له، وأمر بأخْذِ حديده، وخَلَع عليه الخِلَع السنيَّة، وأعطاه الخيل بمراكبِ الذَّهب والفضة، والبغال عليها الصَّناديق فيها الأموال العظيمة والثياب الفاخرة، وأقطعه إقطاعًا بثلاث مئة أَلْف درهم، وصار من خواصّه (١).
(١) الفرج بعد الشدة ٢/ ١٨٤ - ١٨٩، ومن أول السنة إلى هنا ليس في (ف م م ١).