وفيها عاد عضد الدولة إلى بغداد لما قَرَّر أمورَ الموصل، وخرج الطَّائع للقائه من قُطْرَبُّل، فنُصِبت له القِباب، ودخلها في سَلْخ ذي القعدة، وأمر الطائع أن تُضْرَب على باب عضد الدولة الطُّبولُ والبُوقات في أوقات الصلوات الثلاث: المغرب والعشاء والفجر، وأن يُخْطَب له على المنابر بعد الخليفة، وهذان الأمران لم يكونا لغيره قبل.
ذكر حصول والدة عز الدولة وأخويه وولده المرزبان عند هفتكين:
قد ذكرنا حضورهم عنده، وأولاهم من الإحسان شيئًا عظيمًا، واتَّفق أن العساكرَ المصريَّة قَصَدت الشَّام، وخرج هفتكين إلى لقائهم، فوصل الرَّمْلَة والتَقَوا، فاستأمن أبو كاليجار المرزبان إلى المصريين، واقتتلوا فانهزم هفتكين؛ لأن المصريين كانوا أكثر عددًا، وقُتل أبو طاهر بن مُعزِّ الدولة، واستأمن أبو إسحاق في آخر الأمر، وأَسَر المُفَرّج بن دَغْفَل الطَّائي الهفتكين وجماعة من الترك، وحملهم إلى مصر، فأبقى عليهم العزيز، وأحسن إليهم، وأحسن إلى أبي إسحاق بن مُعزِّ الدولة، وأبي كاليجار المرزبان بن عزّ الدولة وأصحابهم، وأنزلهم، وأكرم مَثْواهم، وخَلُص الشَّام بأسره للعزيز، ما عدا حلب فإنَّها كانت بيد سعد الدولة بن سيف الدولة.
ذكر أخبار هفتكين إلى أن توفِّي وحقيقة شرح الجملة التي ذكرناها:
وقد ذكرنا حصولَه بدمشق، واستقرارَه فيها، وكان يُكاتب المعزَّ ويُطيعه، فلما مات المعز كاتبه العزيز، ووعده الاصطِناعَ ورفعَ المنزلة، والبقاءَ على ما هو عليه إن وَطئ بساطَه، فكتب إليه: إن هذا البلد أخذتُه بسيفي، وما أَدينُ لأحدٍ فيه بطاعة.
فغاظ العزيزَ جوابُه، واستشار يعقوب بن كِلَّس وزيرَه، فأشار عليه بأن يُجَهِّزَ القائدَ جوهرًا في العساكر إلى الشَّام، وبلغ الهفتكين، فجمع وجوهَ الدَّماشِقَة وشيوخَها، وقال لهم: قد عرفتُم أنكم سألتموني أن أتولَّى أمرَكم، وما تصرَّفْتُ إلَّا على وَفْقِ مُرادِكم، وقد طلبني مَن لا طاقةَ لي به، وأنا داخلٌ بلادَ الروم، وأُبَصره مكانًا أكون مُقيمًا فيه؛ لئلا يَلْحَقَكم بسببي ضَررٌ ممَّن يَقصِدُني.
وكان الدِّمشقيُّون يَكرهون المغاربةَ لمخالفتهم إياهم في الاعتقاد، ولأجل ما عامَلَهم به أُمراؤهم وولاتُهم، فقالوا له: أقم ونفوسُنا وأموالُنا بين يديك، ونحن نَفديك بأنفسنا.