بِكْرٍ جميلةٍ، ممتلئةِ الخَلْقِ، أسيلةِ الخَدَّ، أصيلةِ الرأي؟ قال: نعم، فذكرتْ له نائلةَ، فتزوَّجها، فلما قَدِمت عليه وَضع القَلَنْسوة عن رأسهِ، فبدا الصَّلَعُ فقال: لا يهولنَّكِ ما تَرَيْنَ من صَلَعي؛ فإنَّ وراءه ما تُحبّين، فقالت: إني امرأةٌ من نسوةٍ أحبُّ أزواجِهنَّ إليهن الصُّلْع الكهول. فقال: قد جاوزتُ حدَّ الكهول، وأنا شيخٌ، فقالت: أذهبت شبابَكَ مع رسولِ اللَّه في خير ما ذَهَبَتْ فيه الأعمارُ، فقال: إمَّا تتحولين إليَّ أو أتحوَّل إليك، فقالت: ما قطعتُ من عرضِ السماوة -أو جَنباتِ السماوةِ- أبعدُ مما بيننا، ثم قامت فتحولَّت إليه، فقال: انزعي دِرعَك، فألقَتْه، قال: وخماركِ، فطرحتْه، قال: وإِزارَكِ، قالت: ذاكَ إليكَ، فحلَّه فكانت أحظى نسائهِ عنده.
وقال هشام: أقامت عند عثمان حتى قُتِل، وهي التي أرسلت بقميصِ عثمان وأصابِعها الخمسِ إلى مُعاوية، فعلَّقه على مِنْبر دمشق سنةً، وخطبها مُعاويةُ فقالت: واللَّهِ لا قعَدَ موضعَ عثمانَ مني أحدٌ.
ودعت يومًا بمرآةٍ فنظرت فيها، وكانت من أحسنِ الناس ثَغرًا، فأخَذَت فِهْرًا فدقَّت به أسنانَها، فهَتَمتْ ثناياها، فسال الدَّمُ على صَدْرِها، فبكين جواريها وقُلنَ لها: ما صَنَعْتِ بنفسكِ؟ فقالت: إنَ الحُزْن يَبلى كما يَبلى الثوبُ، وإني خِفْتُ أن يَبلى حُزْني على عثمان فأتزوَّج غيره، فيطَّلعَ مني رجلٌ على ما اطَّلعَ عليه عثمان، وواللَّه لا يَجتلي ثغري أحدٌ بعد عثمان (١). وسنذكرها في زوجاتِ عثمان بن عفان ﵁.
فصل وفيها توفيت
أُمُّ حَرام بنت مِلْحان بن خالد بن زيد
وذكرها ابنُ سُمَيعٍ في الطبقةِ الأولى من الصحابياتِ.
وقد ذكرنا أن النبي ﷺ كان يزورُها ويَقيلُ في بيتِها، وأنَّها أسلمتْ وبايعتْ رسولَ اللَّه ﷺ، وكانت صالحةً، وتزوَّجها عبادةُ بن الصامت.
واختلفوا في وفاتِها:
(١) انظر ترجمتها في تاريخ المدينة ٩٨١ - ٩٨٢، وأنساب الأشراف ٥/ ١٠١ - ١٠٣، والأغاني ١٦/ ٣٢٢، والمنتظم ٤/ ٣٦٥ - ٣٦٧، وتاريخ دمشق (تراجم النساء) ٤٠٤ - ٤٠٩.