وفيها جهّز أبو بكر رضوان الله عليه الجيوش إلى الشام، وقال الواقدي: بعد مُنصرفه من حجّه إلى المدينة، وعقد الألوية؛ فأولُ لواءٍ عَقَده لواء خالد بن سعيد بن العاص، ثم لواء عمرو بن العاص، ثم لواء يزيد بن أبي سفيان، ثم لواء أبي عبيدة بن الجراح، ثم لواء شُرحبيل بن حَسَنة، ثم لواء الوليد بن عقبة. وقَدَّم على الجميع خالد ابن سعيد بن العاص، ثم عزله قبل أن يسيروا، وولّى عليهم يزيد بن أبي سفيان، وقال لعمرو بن العاص: اذهب إلى فلسطين، فخرج على طريق أيْلة، ثم قال للباقين: سيروا على تبوك واخرجوا على البَلْقاء، وكانوا سبعة آلاف، وأمَر خالد بن سعيد بن العاص أن يقيم بتيماء ردْءًا لهم.
وخرج أبو بكر معهم ماشيًا يُشيَّعهم على عادته في جيش أسامة وغيره، وكان أول الأمراء الذين خرجوا إلى الشام يزيد بن أبي سفيان.
قال المصنف: وقد اختلفت الروايةُ في تجهيز أبي بكر الجيوشَ إلى الشام على قولين، أحدهما ذكره الهيثم وقال: إنه جَهّزهم في سنة اثنتي عشرة، ودليلُه قصَّة خالد لما جاء من العراق إلى الشام واجتمع بالأمراء على بُصرى، والثاني: أنه جهزهم في أول هذه السنة، والأول أظهر.
ذكر وصيّة أبي بكر رضوان الله عليه لأمرائه:
وكان مما أوصى الأمراء أن قال ليزيد بن أبي سفيان: يا يزيد، إذا أقبلتَ على أهل عملك فعِدْهُم الخير، وإذا وعدتَ فأنجز، ولا تُكثر الكلام فإن بعضَه يُنسي بعضًا، وإذا قَدم عليك رُسُل عدوِّك فأحسن نُزُلَهم، فإنه أولُ خيرك إليهم، ولا تُطِلْ مُقامَهم عندك؛ لئلا يَطَّلعوا على عورات المسلمين، واحفظ سِرَّك لئلا يَخرج أمرُك، وإذا استشرتَ فاصدُق الخبر، ولا تكتم المستشار فتُؤتى من قِبل نفسك، وإذا بلغك عن عدوِّك عَورة فاكتُمها حتى تواتيه، واستر الأخبار في عسكرك، وأَذْكِ العيون والحرس، واصدُق اللقاء إذا لقيت، ولا تَجبن فتُجبن مَن سواك (١).